بقلم: ميسون كحيل
إنه السؤال الذي نسأله لأنفسنا أولًا، فالقساوة من الأعداء متوقعة، والقساوة من الاحتلال أمر عادي، لأن نهج الظلم والاستبداد وعمليات القتل والتشريد ثقافة عدوانية لهذا الاحتلال. لكن لماذا نحن نكون قساة على الآخرين الذين يعيشون معنا وبيننا وهم جزء منا! ويبقى العنوان الأول لذلك رفض الآخر وإلحاق الضرر به دون أدنى اعتبارات لتكاتف الناس وتحالفهم ووقوفهم ضد عدو مشترك ومحتل للوطن، لا بل وبدلًا من دعم الناس والوقوف معهم، تتجه الإجراءات نحو تضييق الخناق عليهم!
لم أتوقع يومًا أن تكون الحالة الفلسطينية على هذا الشكل من الانحراف، واستبعدت طوال حياتي أن نشبه أنظمة أخرى، تلك التي مارست الاضطهاد والتعذيب والزج في المعتقلات. وطالما كانت الرؤية واضحة وشامخة تجاه المؤسسات الوطنية والأحزاب والأجهزة الأمنية التي تمثل العمق الوطني والشعور بالأمان. فما نسمعه ونراه وما سمعناه ورأيناه أن الفئة التي تستلم السلطة وتتحكم بها يكون شعارها من خلال أدائها وتصرفاتها (رفض الآخر). وليست حقيقة تلك الشعارات التي تضحك بها على الناس من الديمقراطية وحرية الرأي ومحاربة الفساد وغيرها من الشعارات التسويقية التي تمرر للشارع! فالحقيقة المخجلة أن الأداء لم يكن ديمقراطيًا، ولا مقبولًا فيه الرأي الآخر المختلف معه، وقد أصبحنا نعيش في مرحلة أصبحت فيها سياسة رفض الآخر من ثقافتنا ومن سلوكنا.
السلطة في (غزة) يعاني منها الناس منذ أن استلمت القطاع بالنار والدم ضد إخوتهم، وهي أيضًا لا تفكر في الناس ولم تفكر أصلًا بهم، ولا يعنيها إن عاشوا أو ماتوا تحت حجة الوطن والعمل النضالي والدين والأعمال الصالحة، ولا يزال هؤلاء يمارسون أعمالهم المعروفة، كما لو أن القطاع قد بقي منه شيء، كما يبدعون في توجيه التهم من التكفير والعمالة لكل من يختلف معهم حتى بالرأي.
السلطة في (الضفة) لا تختلف عنهم كثيرًا، فهم أيضًا لديهم فوبيا في رفض الآخر، وقد وصل الأمر لديهم إلى رفض الآخر الذي يعيش بينهم واختلف معهم. ويمارسون نهجًا دخيلا على الشعب الفلسطيني من ممارسات مستوردة من الاعتقال والتعذيب. وللإنصاف، فلا قبول للفوضى والتسيب الأمني والمجتمعي، وهذا يندرج أيضًا ضمن رفض حيازة السلاح خارج إطار الأجهزة الأمنية، ولكن ليس بالطريقة التي تشبه الأنظمة الاستبدادية. وفي ذلك لا بد من وقفة لإعادة تنظيم الأداء الأمني والمحافظة على المنظومة الأمنية التي اعتاد عليها الناس في زمن سابق، كانت فيه الديمقراطية وحرية الرأي حقًا مكتسبًا لكل مواطن.
إن الحالة الفلسطينية الحالية، ومنذ عام 2006، حولتنا إلى غرباء لا تطبق فيها العدالة، وتسيطر عليها الحزبية الضيقة والمحسوبية، وقد عشعشت في كل مكان من هذا الوطن ومؤسساته، ولا أستثني أحدًا، وما خفي أعظم. ثم يبقى السؤال: ألسنا كلنا قاسيين؟
كاتم الصوت: يعني الحرب والاجتياحات والنزوح، والبلد ساقط اقتصاديًا، والرواتب على الله تعود، والسياحة توقفت، والعمال أغلبهم بلا عمل، وكل شيء متوقف إلا المحاكم التي تلاحق هذا الشعب الغلبان. والله عيب. (الضفة)
كلام في سرك: الاتفاقات والشروط وبعض المطالبات، لأجل فقط البقاء في الحكم على حساب القضية والوطن والناس، جريمة وكفر. (غزة)
رسالة: القرارات التي سمعنا بها في مؤتمر القمة العربية والتي تخص الوضع الفلسطيني تحتاج المتابعة وآليات التنفيذ، أليس كذلك؟ أم أن زيدًا وعبيدًا رافضان لها؟ احتفظ بالأسماء.