لم تترك سهى الشريف أي مقبرة عشوائية أو جماعية إلا وهرعت إليها، بحثًا عن ابنها الوحيد جهاد، الذي فقدته بعدما أرداه الجيش الإسرائيلي قتيلًا خلال الأشهر الأولى للحرب على قطاع غزة، وعلى الرغم من مرور أكثر من عام ونصف، لا تزال رحلتها مستمرة وسط أمل ضئيل في العثور على جثمانه.
ولا يختلف حال الشريف عن آلاف العائلات الغزية التي تعيش كابوس البحث بين الجثامين مجهولة الهوية، في ظل استمرار الأزمة دون أي أفق لحلها، وبحسب الإحصاءات الرسمية الفلسطينية، فإن نحو 14 ألف شخص في عداد المفقودين جراء الحرب، فيما اضطر الأهالي لدفن آلاف الضحايا في مقابر عشوائية أو حتى في الطرقات، بسبب الوضع الأمني المتدهور.
جثامين مجهولة بلا هوية
خلال الأشهر الماضية، قامت إسرائيل بتسليم عددًا من الجثث المتحللة والهياكل العظمية مجهولة الهوية للسلطات الصحية في غزة، دون الإفصاح عن هوياتهم أو مواقع انتشالهم، غياب التحاليل المخبرية يزيد من صعوبة التعرف على أصحابها، ما يجعل البحث عن المفقودين مهمة معقدة تكاد تكون مستحيلة.
رحلة بحث مريرة عن الرفات
وفي هذا الإطار، كشفت سهى الشريف، إنها اضطرت لمغادرة غزة والنزوح إلى الجنوب مع زوجة ابنها وبناته بعد مقتله في حي النصر، وعندما عادت لم تجد له قبرًا، ولا تعرف أين دفن، ومنذ ذلك الحين، تتنقل بين المقابر العشوائية والمستشفيات، في محاولة للوصول إلى أي خيط قد يقودها إلى رفات نجلها.
كما أكدت "الشريف"، أن "عدم العثور على جثمان ابني يجعل حياتي جحيمًا مستمرًا"، لافتة إلى أن الأمل الوحيد في التعرف عليه هو من خلال ملابسه أو أي علامات مميزة في جسده، لكنها تبقى حائرة أمام التساؤل المؤلم: "هل دفن أصلًا أم نقله الجيش الإسرائيلي إلى مكان مجهول؟"
مأساة لا تنتهي
والجدير بالإشارة أن هذه المعاناة تكررت مع يسرى عبد المالك، التي لا تزال تبحث عن شقيقها المختفي منذ أن فقد أثره قرب حاجز نتساريم وسط القطاع، لم توفر جهدًا في البحث، تجولت بين المستشفيات، وعاينت مئات الجثامين المتحللة، لكنها لم تجد أي دليل يقودها إليه.
تقول عبد المالك: "ناشدنا المؤسسات الدولية، لكن بلا جدوى. نخشى أن يستمر هذا البحث لسنوات طويلة، في ظل إنكار الجيش الإسرائيلي معرفته بمصير شقيقي".
حملة للكشف عن المجهولين
ويجدر الإشارة إلى أنه في محاولة لحل هذه الأزمة، أطلق جهاز الدفاع المدني في غزة حملة للتعرف على الجثامين المجهولة وانتشال الضحايا من المقابر العشوائية، لكن النتائج لا تزال محدودة بسبب الأعداد الكبيرة للضحايا وقلة الإمكانيات الفنية المتاحة.
ومن جهته، أمد المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، إن "الأمر معقد للغاية، فلا يمكن حصر المقابر العشوائية، ولا توجد وسائل كافية للتعرف على جميع الضحايا"، موضحًا أن الجهات المختصة تعمل بالتنسيق مع الأدلة الجنائية والطب الشرعي لمحاولة تحديد هويات الضحايا، لكنها تواجه تحديات ضخمة، أبرزها تحلل الجثامين أو اختفاؤها.
وأردف "بصل": "نترك الجثمان المجهول لفترة لدى الجهات المختصة، ليتسنى للعائلات محاولة التعرف عليه بطرق بدائية، لكن في كثير من الحالات، يكون الأمر مستحيلًا".