قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، اليوم الجمعة، إن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، والمتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين، يتبنيان نهج "سياسة التعتيم الإعلامي" حول طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، خاصةً مع تنفيذ عمليات "مقلصة ومحدودة".
ووفقاً لتحليلات سياسية إسرائيلية، لا يوجد قتال فعلي يذكر داخل القطاع، رغم استشهاد أكثر من 1550 مدنياً منذ استئناف الهجمات في 18 مارس الماضي، نتيجة استمرار الغارات الجوية المكثفة.
اقرأ أيضًا:
- الصليب الأحمر تكشف حقيقة فتح وشيك للمعابر في غزة
- الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر بشأن مخزون الدواء في غزة
قيود مشددة
وأوضحت الصحيفة أنه خلال الاجتياح البري الواسع للقطاع في العام الماضي، كان الجيش الإسرائيلي يسمح بتغطية إعلامية مكثفة، بما في ذلك إجراء مقابلات ميدانية مع جنود وضباط داخل غزة، لنقل صورة واضحة إلى الداخل الإسرائيلي.
أما اليوم، فقد فرضت قيود مشددة تمنع حتى إظهار وجوه العسكريين دون رتبة عميد، في محاولة لحمايتهم من أي مساءلة قانونية دولية محتملة تتعلق بجرائم حرب.
وترى قيادة الجيش أن هذا التعتيم يخدم هدفين رئيسيين: الأول هو منع تسريب معلومات تكشف عن مسار العمليات الجارية أمام حركة حماس؛ والثاني يتمثل في استراتيجية زامير الذي يفضل "العمل بصمت" والحديث لاحقاً، خاصة وأنه صرح سابقاً أن القضاء على حماس يتطلب سنوات طويلة من حرب الاستنزاف متعددة الجبهات، مما يعني أن الحسم العسكري بعيد المنال في الوقت الراهن.
هذا التكتم الإعلامي يريح أيضاً القيادة السياسية، خصوصاً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، حيث تعرض العمليات المحدودة في وسائل الإعلام كما لو أنها حملة كبرى لإعادة اجتياح القطاع ومحو حماس، وهو ما يمنح أحزاب اليمين المتشددة شعوراً بالاطمئنان السياسي.
فمثل هذه الصورة تجنب الحكومة الحالية تهديدات بالانشقاق أو التوترات داخلية، رغم إدراك الجميع أن حماس لا تزال موجودة وقوية، بل وتوظف من قبل القيادة الإسرائيلية كعنصر يبقي على الانقسام بين غزة والضفة الغربية.
تجنب الخسائر البشرية
ونقلت الصحيفة عن ضابط إسرائيلي قوله إن الاشتباكات الميدانية شبه معدومة، نظراً لهروب عناصر حماس من رفح إلى مناطق النازحين في خانيونس، ما دفع الجيش للاعتماد على عمليات القصف الجوي ورصد قادة حماس من الجو، لكن، ورغم الضغط الذي تحدثه هذه العمليات، إلا أنها غير كافية لحسم الحرب عسكرياً.
أما المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، فأشار إلى أن زامير يتجنب الانخراط في مواجهات برية ثقيلة من شأنها إيقاع خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش، وذلك في ظل غياب تعليمات واضحة من القيادة السياسية بإعادة احتلال غزة بشكل كامل.
وفي حين يعلن الجيش أن هدفه الحالي هو تصفية "كتيبة رفح" التابعة لحماس، يذكر هرئيل بأن الجيش نفسه أعلن انهيار تلك الكتيبة في سبتمبر الماضي، ما يطرح تساؤلات حول أهداف الحملة الحقيقية.
ووفق هرئيل، فإن هذه التناقضات تعكس فترة من الجمود والتضليل استمرت لعدة أشهر، إلى أن تدخلت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس جو بايدن – وليس دونالد ترامب كما ذكر بالخطأ – لفرض اتفاق تهدئة في يناير، ما أتاح لحماس استعادة أنفاسها وتنظيم صفوفها، بل وتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين الجدد، رغم افتقارهم للخبرة، إلا أنهم قادرون على استخدام السلاح وتشكيل تهديد حقيقي.
كما أن حماس بدأت بالفعل في ترميم قدراتها الصاروخية، ومن غير المستبعد أن تسعى لتوجيه ضربة مفاجئة بالتزامن مع عيد الفصح اليهودي.
وتكشف هذه التطورات عن حالة من الغموض والتناقض في السردية الإسرائيلية الرسمية، وتسلط الضوء على المأزق العسكري والسياسي الذي تواجهه تل أبيب في التعامل مع المشهد المعقد في قطاع غزة.