غزة/ البوابة 24- محمد أبو دون:
تعرض منزل عائلة الفلسطيني أدهم الشرباصي (42 عاماً) الذي يعيش في حي الصفطاوي شمالي قطاع غزة للسرقة نهاية شهر مارس/ آذار الماضي. حدث ذلك ليلًا، حين اقتحمه لصوص وسرقوا منه معدات كهربائية وبطاريات تشغيل ليدّات، واسطوانة غاز، وحاجيات أخرى.
بحسب الشرباصي، فإن السرقة نُفذت في الطابق السفلي، فيما كان هو نائمًا برفقة عائلته في الطابق العلوي المهدم جزئيًا بسبب قصفٍ إسرائيلي سابق، "ولذلك لم نسمع أو نشعر بأي شيء" يقول.
في الصباح، اكتشفت العائلة ما حدث. هرع الشرباصي لسؤال جيرانه وأهالي المنطقة عما لو كانوا انتبهوا لشخصٍ ما، أو حركةٍ غريبة حول بيته، فهمس له أحدهم بأنه رأى رجلَين معروفٌ عنهما تنفيذ عمليات سرقة سابقة، يخرجان من المنطقة على عربةٍ يجرها حيوان تمام الثالثة فجرًا.
على الفور، توجه الشرباصي إلى منزلهما -وكانا أبناء عم- وسألهما عن السبب الذي جعلهما يتواجدان قرب بيته في سكون الليل، لتبدأ في تلك اللحظة مناوشةٌ كلامية بين الثلاثة، تطورت لاعتداءٍ عليه بالضرب، الأمر الذي تسبب بكسر في يده، وجرح عميق في رقبته.
يقول الشرباصي لـ "البوابة 24": "يا للأسف لا توجد أي جهة حكومية عاملة على الأرض، أو لها مقر محدد، أتوجه إليها لتقديم شكوى سواءً بخصوص السرقة أو بما يتعلق بالاعتداء الجسدي علي".
ويضيف: "أبي وأخوتي سعوا لحل الإشكالية عبر الأعراف الاجتماعية العامة في قطاع غزة، وخاطبوا مختار العائلة التي ينتمي إليها اللصّان، لكن النتيجة لم تكن كما توقعنا، ولم أستعد حقي حتى الآن".
اختار الشرباصي في نهاية المطاف الصمت، "فالعواقب سوف لن تكون سهلة في ظل حالة الانفلات الأمني التي يعيشها قطاع غزة حاليًا وعدم وجود شرطة أو ضباط أمن أو حتى قضاء يحكم بين الناس نتيجة استمرار الإبادة" حسبما يرى.
وقصة الشرباصي ليست الوحيدة، بل هي غيضٌ من فيض قصص وردت إلى مسامع "البوابة 24"، حول اعتداءات حدثت ونُفذت نتيجة حالة الفلتان الأمني التي أفرزها طول أمد الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م.
لقد أفضى استهداف الاحتلال المتكرر لرجال الأمن والشرطة، ومقارهم، في مختلف أنحاء القطاع، بالكثير من النزاعات والمشاكل اليومية، وأدى لضياع الحقوق، وتوسُّع العمل العشائري، وتحكم العائلات المتنفذة والكبيرة، بالأفراد، أو أبناء العائلات الصغيرة.
على العلن!
في ليلةٍ ماطرة من ليالي فبراير 2024م، تعرّض ما تبقى من منزل فارس حمودة، في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، للسرقة أمام ناظريه!
يقول: "سمعت حركة، أخرجت رأسي من النافذة فرأيت أربعة رجال يخرجون من ناحية الدرج المهدم، وناديتُ بصوتٍ عالٍ كي يفروا لكنهم لم يحركوا ساكنًا! تابعوا عملهم بمنتهى الهدوء وخرجوا".
ويضيف: "بمنتهى الوقاحة، نظر إلي أحدهم وابتسم، وصوّب نحوي مسدسًا، فأدخلتُ رأسي على الفور، وبقيت في الداخل فترة. لم أنظر مجددًا إلا بعدما سمعتُ صوت العربة التي يجرها حمار -وكانت تنتظرهم في الأسفل- تتحرك".
يتساءل الرجل: "لمن نلجأ في حالةٍ كهذه؟ صارت الاعتداءات على مقدرات المواطنين وحقوقهم علنية. الجرائم كثيرة، وتعدّت السرقة لتصل حد القتل في ظل انعدام الأمن والضبط القانوني داخل قطاع غزة".
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، سلطت الضوء على قصة محمد أبو كرش، الذي سرق لصوص بطارية سيارته في مارس 2024م، وطاردهم إلى طريق مظلم، قبل أن يتلقى رصاصة قاتلة في رأسه.
حينها اتصل الأقارب بالشرطة، التي لم يكن بمقدورها فعل أي شيء سوى تفقد مسرح الجريمة على أطراف مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، وفق الصحيفة.
ابن عمه محمود أكد أن العائلة في حال عثرت على الجاني، فإن الأمر سيتحول إلى معركةٍ لا محالة بين العائلتين. "نحن ندرك أن أحدًا لن يُعاقب الآن على أي شيءٍ يفعله فيه تعدٍ على حقوق وحريات الآخرين داخل قطاع غزة، نتيجة غياب قوات حفظ الأمن والنظام واستهدافها المتعمد والمتواصل" يقول.
ولم يجد الغزيون الذين أجبرتهم "إسرائيل" على النزوح إلى جنوبي القطاع جهةً يقدمون شكاواهم إليها بعد عودتهم إلى الشمال، خلال تنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي خرقته "إسرائيل" بقرارها استئناف الحرب.
تحكي أم محمد الحتو: "المنازل المهجورة التي لم تتعرض للقصف، تعرضت لنهب الأثاث والألواح الشمسية واسطوانات الغاز، وكل من حاول تأمين منازل جيرانه فشل في ذلك، في ظل الاعتقاد السائد بين اللصوص بأن المعاناة التي خلقتها الحرب، تعطيهم رخصة شاملة لسرقة كل ما يحتاجونه من منازل الآخرين".
سلاح أبيض!
في يوليو/ تموز الماضي، وفي صبيحة يومٍ من أيام المجاعة شمالي قطاع غزة، جال محمد المزيني (39 عامًا) حي النصر بأكمله باحثًا عن كيلو دقيق واحد تعجنه زوجته؛ لإطعام أطفاله الأربعة الجوعى منذ أيامٍ عدة.
كان القصف على أشدّه، وكانت الشوارع شبه فارغةٍ، ولما كاد يفقد الأمل، وجد شابين يقفان بالقرب من مخبزٍ مغلق يتبادلان أطراف الحديث. اقترب منهما وسألهما عن أحدٍ يمكن أن يجد لديه طحينًا، فأجاباه بسؤالٍ عن المبلغ الذي يمكن أن يدفعه، و"كانت معي ورقة واحدة من فئة مئة شيقل" يقول.
ويضيف: "اقتربا مني، وأخرج أحدهما من جيبه مشرط، ولما فهمت مأربهما حاولت الهرب. فإذا بالثاني يقفز أمامي. القصف كان شديدًا ومهما ناديت سوف لن يغامر أحد. أخرجتُ ما في جيبي وألقيته أرضًا فالتقطاه وفرّا هاربين، وعدتُ أنا لبيتي بلا مال ولا طحين".
وعما لو كان لجأ لأحد من أجل مساعدته في استرداد حقه، أو حتى البحث عن اللصين، أجاب: "بالطبع لم ألجأ لأحد! لا مقار شرطية، ولا حتى أعرف من أي عائلةٍ هما! لا كاميرات مراقبة ترصد حركة المارة، ولا أي دليل على ما حدث معي".
ويتابع: "وحتى لو عرفت من يكون الرجلان، ماذا يمكنني أن أفعل؟ نحن نعيش حالةً من الجوع والخوف والإبادة لم نشهدها من قبل".
"مسؤولية الاحتلال"
مصدرٌ مسؤول في جهاز الشرطة بقطاع غزة، رفض التصريح باسمه؛ بسبب الظروف الأمنية، قال لـ"البوابة 24": "يسعى الاحتلال إلى تغذية الجريمة في قطاع غزة، ويساعد اللصوص والمجرمين على تنفيذ جرائمهم لأنه معني بضعضعة بنية المجتمع"، مضيفًا: "ما يؤكد ذلك أن الاحتلال يتعمد اغتيال كافة العاملين في أجهزة الشرطة، الذين يسعون لضبط الحالة الأمنية في قطاع غزة".
في المقابل -والحديث للمسؤول الشرطي- "يترك الاحتلال اللصوص يصلون للمناطق الخطرة؛ من أجل تنفيذ عمليات سرقة لمنازل المواطنين بهدف الإمعان في إيذاء الناس، وتمزيق النسيج المجتمعي، وضرب العائلات بعضها ببعض".
وتابع: "نحاول بشتى الطرق متابعة بعض القضايا الأمنية الكبرى، بالإضافة لقضايا المواطنين العادية اليومية، وقد أوقفنا بعض اللصوص والمجرمين في أماكن وسجون مؤقتة، لكن يا للأسف بمجرد اكتشافها من قبل الاحتلال تُستهدف على وجه السرعة ما يؤدي لارتقاء أفراد شرطة ومدنيين وموقوفين أيضًا".
وبيّن أن "الشرطة في مرحلة ما، بدأت العمل بزيٍ مدني، وأجرت ملاحقات واعتقالات وتحقيقات، لكن ذلك لم يوقف استهدافها من قبل الاحتلال، وفي سبيل ذلك استشهد العشرات من أبناء الأجهزة الأمنية"، موضحًا أنها (الشرطة) حاولت في الفترة الأخيرة، إفساح المجال للجانب العشائري والعائلي؛ من أجل النظر في المشكلات البسيطة التي يتعرض لها الناس وحلها بعيدًا عن تأجيج الخلافات "لكن هذا لم يجد نفعًا، فالواقع الأمني في قطاع غزة يحتاج لإدارة شرطية خاصة، قادرة على الضبط ورد الحقوق بقوة القانون لا بالمعيّات والعزوات".
وبحسب المصدر، فإن الحالة الأمنية قبل الحرب كانت مضبوطة إلى حد كبير في قطاع غزة، "ولم تكن هناك قضايا تسجل ضد مجهول، لكن الحرب وإفرازاتها جعلت الأوضاع صعبة للغاية، وحاجة الناس -وهذا ليس مبررًا- رفعت نسبة السرقات والجرائم، وأوصلت الناس إلى الحال الذي يعيشونه الآن".
العشائر والمخاتير
ويقول المختار أكرم المصري (56 عامًا) وهو أحد الوجهاء المعروفين في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، ويعيش حاليًا نازحًا في أحد مراكز الإيواء بمدينة غزة: "الحرب تركت آثارًا كبيرة على المجتمع في قطاع غزة، خاصة من النواحي العائلية والمجتمعية والأمنية".
ولفت إلى أن "هناك عشرات المشكلات والجرائم التي تحدث يوميًا ولا تستطيع الأجهزة الأمنية التعامل معها، بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة على الأرض"، مشيرًا إلى أن بعضها يستطيع المخاتير والوجهاء احتواءها، وبعضها الآخر تمتد وتتوسع لحاجتها الفعلية إلى قوة الضبط القانوني.
ويُقر المصري بأن الحل العشائري لا يكون مجديًا في كل الحالات، قائلًا: "قبل الحرب كنا نتعاون مع الأجهزة الأمنية في حل بعض المشكلات والقضايا، لكن الأمر الآن مختلف. صارت قضية أمن المواطنين موكلة بشكل شبه كامل للمخاتير والعشائر".
وبأسف يضيف المختار: "المخاتير ومسؤولون من العشائر أيضًا لم يسلموا من استهدافات الاحتلال، حيث تعمد الجيش الإسرائيلي قتل عدد من أصحاب الحل والربط والمؤثرين في قطاع غزة خلال حربه الممتدة، ما فاقم الأزمة وجعل الكثير من المشكلات بلا حل حتى هذا الوقت".