أظهرت حادثة مأساوية داخل إسرائيل عمق التداعيات النفسية القاسية التي خلفتها الحرب على غزة، بعد مشاركة آلاف الجنود في القتال منذ هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، حيث أصبح الكثير من الجنود يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وسط اتهامات بإهمال رسمي متزايد.
كابوس يتحول إلى عنف حقيقي
وجاء ذلك بعد أن أطلق جندي الاحتياط ألكسندر أوستيوجينين النار على جارته، في مدينة العفولة، بعد أن استيقظ فجراً وهو يصرخ: "إرهابيون! إرهابيون!"، حسبما أفاد محاميه.
والجديربالإشارة أن الجندي البالغ من العمر 28 عاماً، خدم في الكتيبة القتالية "جفعاتي سابار"، وأمضى عدة أشهر في الخدمة الاحتياطية داخل قطاع غزة قبل تسريحه قبل ثلاثة أشهر.
يتبول على نفسه
ووفقًا لما ذكر شقيقه إيفان لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فأن حالة أوستيوجينين النفسية كانت تتدهور بشكل مستمر، قائلاً: "هو مريض للغاية.. يتبول على نفسه ولا يستطيع النوم. كان يرفض العلاج لأنه ينتظر استدعاءً جديدًا للتجنيد"، مضيفًا بمرارة: "الدولة دمرته، لا ترسلوه للسجن بل عالجوه!"
هلوسات الحرب وسلاح في متناول اليد
ومن جهته، أكد المحامي باروخ غادي، إن موكله كان في حالة من الهلوسة عندما أطلق الرصاص من مسدسه الشخصي، ما أدى إلى إصابة جارته البالغة من العمر 40 عامًا بجروح خطيرة.
كما قام "المحامي"، بتقديم تسجيل في المحكمة يظهر فيه "أوستيوجينين" وهو يصرخ على "إرهابيين" وهميين، مشيرًا إلى أن ما حدث هو نتيجة مباشرة لصدمته النفسية الناتجة عن الحرب.
محاكمة أم إهمال؟
وعلى الرغم من وضوح حالته النفسية، وجهت النيابة العامة له تهمًا جنائية خطيرة، على رأسها إطلاق نار غير قانوني، والاعتداء، وتعريض حياة الآخرين للخطر، ما قد يؤدي إلى سجنه لفترة طويلة.
بينما طالب فريق الدفاع بإحالته إلى الرعاية النفسية الفورية بدلاً من السجن.
وخلال جلسة الاستماع، وجه المحامي غادي اتهامًا لاذعًا للمؤسسات الرسمية، قائلاً: "الآلاف مثل ألكسندر يعودون من غزة ولبنان وهم يعانون من اضطرابات نفسية حادة دون أدنى رعاية، يتم إرسالهم للجبهة، ثم يُتركون ليواجهوا كوابيسهم وحدهم".
تحذير من انفجار نفسي وشيك
وفي السياق ذاته، أصدرت القاضية روث سبيلبيرج كوهين، قرارًا بإخضاع الجندي لفحص نفسي عاجل، بينما ناشدت عائلته وزارتي الدفاع والصحة التدخل السريع وتوفير رعاية فورية وشاملة لمن أسموهم "ضحايا الصدمة النفسية للحرب".
وما يزيد الأمر خطورة، هو أن الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ تشير تقارير إسرائيلية رسمية إلى ارتفاع بنسبة 300% في حالات اضطراب ما بعد الصدمة بين الجنود العائدين من جبهات القتال في غزة، وسط تصاعد في السلوك العنيف ومحاولات الانتحار.
والجدير بالذكر أن خبراء نفسيون يؤكدون إن ما نشهده الآن هو فقط بداية لأزمة أعمق ستنفجر لاحقًا ما لم تعالج بشكل جذري.