الحرب تُشوّه الحالة القانونية.. صعوبة استصدار الأوراق الرسمية تعرقل "الحياة" بغزة!

صورة توضيحية
صورة توضيحية

غزة/ البوابة 24- ريم سويسي 

لِسِتّ مرات على التوالي، تقف روند عاشور (22 عامًا) أمام القاضي الذي يرفض بالمطلق إتمام إجراءات زواجها؛ بسبب عدم توفر وثيقة رسمية تثبت وفاة والدها!

استشهد والد روند قبل أربعة أشهر، في قصف مدرسةٍ تؤوي نازحين بمخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، ولما كاد القاضي يقتنع بفكرة أن يكون شقيقها الأصغر وليًا لها في زيجتها، عاد ليرفض بعد أن عرف أن عمر الفتى لا يتجاوز 14 عامًا، ولا يملك بطاقة إثبات شخصية بعد.

تقول لـ"البوابة 24": "كدت ألغي فكرة الزواج، لولا أن القاضي في المرة السابعة، وافق على إتمامه خضوعًا لظروف الحرب، ومعاناة عدم توفر أو ضياع الأوراق الثبوتية الرسمية".

حال روند، يمكن أن ينطبق على حال فئة واسعة من سكان قطاع غزة، ممن فقدوا أوراقهم الثبوتية والرسمية نتيجة قصف البيوت على رؤوس سكانها، أو لم يتمكنوا من استصدارها من الجهات الحكومية المخولة لظروف الحرب والحصار، وإغلاق المؤسسات الحكومية.

تعطلت الكثير من الإجراءات الرسمية، وأضافت ضغطًا أكبر على الفلسطينيين، في ظل حياةٍ باتت أصغر تفاصيلها "معاناة كبرى". آلاف المواطنين يتوجهون إلى مراكز ميدانية بديلة لمراكز وزارة الداخلية؛ طلبًا لإفادات بديلة، بعضهم يتمكن من الحصول عليها، والبعض الآخر يقف أمام إجراءات معقدة للغاية، بدون أي أفق إلا انتهاء الحرب.

"أربعة شهود رأوا جثته"

تشارك بشرى السويسي (54 عامًا) روند هذا الهم أيضًا. لقد فقدت زوجها نتيجة استهداف منزل العائلة بشارع النصر، وسط مدينة غزة، قبل عام تقريبًا، بعدما رفض النزوح معهم إلى الجنوب، وقرر البقاء وحده في البيت ليحميه من سطو اللصوص.

تقول: "بعد أيامٍ قليلة انقطع الاتصال به، وعلمت بعدها أن البيت قصف وهو فيه"، مردفةً: "توجهت إلى أحد مراكز وزارة الداخلية؛ لاستخراج شهادة وفاة، لعلها تساعدني في مسألة الحصول على المساعدات، كوني زوجة شهيد وأم لخمس بنات، إلا أن ذلك لم يحدث".

وتزيد: "طلباتي كلها قوبلت بالرفض تحت ذريعة عدم وجود جثة تثبت أنه استشهد، أو حتى شهادة وفاة تؤكد ذلك"، مضيفةً: "طلبوا مني أربعة شهود يقسمون بالله أنهم رأوا جثته".

حينما لم تتمكن السيدة من الإتيان بالشهود، طلب منها التوجه إلى مختار عائلة زوجها، والحصول على ورقة تفيد باختفائه، "وهذا أخذ وقتًا طويلًا للغاية. أشهر كثيرة، مكثت بدون مساعدات مالية أو عينية بسبب هذه الورقة، لكنني أخيرًا حصلت على شهادة وفاة رسمية، ومعتمدة" تقول.

وتخبرنا ريم شقليه (33 عامًا)، أن زوجها استشهد قبل ثمانية أشهر؛ نتيجة استهداف مدرسة كانت تؤويهم في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، ونتيجة اشتداد القصف تلاشت جثته "تبخرت" كما حدث مع العديد من الجثث في مدينة غزة ومناطق الشمال، وفق شهادات الأهالي.

وتقول السيدة، وهي أم لأربعة أطفال: "تواصلت معي إحدى جمعيات رعاية الأيتام؛ كي تتكفل بأطفالي، فأنا بلا معيل ولا مصدر دخل لدي، لكن كوني لا أملك شهادة وفاة؛ نتيجة عدم وجود جثة لزوجي، عانيت الكثير وما زلت".

حتى اللحظة، لم تحصل ريم على شهادة وفاة، رغم توجهها بشكل يومي تحت نيران القصف لمراكز المدينة المؤقتة، من أجل الحصول على واحدة، "عبثًا" وفق تعبيرها.

ويؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، د.إسماعيل الثوابتة، أن حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة تسببت بدمار واسع، مما أدى إلى فقدان عدد كبير من المواطنين أوراقهم الثبوتية، مثل بطاقات الهوية الشخصية، وشهادات الميلاد والوفاة، وجوازات السفر وغير ذلك.

ويضيف: "هذا الفقدان أثر بشكل كبير على قدرة المواطنين على إجراء معاملاتهم الرسمية، سواءً في الحصول على مساعدات إنسانية أو إثبات حالة شخصية أو تسجيل الوقائع المدنية، كالمواليد، والوفيات، والزواج، والطلاق، وهو ما خلق حالة معقدة من العرقلة الإدارية والحقوقية لدى شريحة واسعة من المتضررين". 

وبحسب الثوابتة، فقد فعلت وزارة الداخلية، ممثلةً بالشق المدني، إجراءات استثنائية، بدءًا بفتح مراكز بديلة وميدانية في مناطق آمنة نسبيًا، واعتماد سجل مدني طارئ، واعتماد إفادات الشهود، والتحقيقات الميدانية الدقيقة؛ لضمان دقة وصدق البيانات.

وحول أبرز التحديات التي تواجه الحكومة فيما يتعلق بالأوراق الرسمية والمستندات الموثوقة والموثقة، قال: "غياب قاعدة البيانات المحدثة نتيجة تدمير مراكز المعلومات، وغياب صعوبة التحقق من هويات بعض الشهداء؛ نتيجة ظروف الوفاة أو اختفاء الجثامين، والحاجة لتوثيق بيانات أفراد فقدوا أوراقهم دون إثبات رسمي". 

ويكمل: "للتعامل مع هذه الإشكاليات تم اعتماد بروتوكولات صارمة تشرف عليها جهات حكومية متخصصة، منها وزارة الداخلية ووزارة الصحة وأجسام حكومية مساندة أخرى، تتضمن الاعتماد على تقارير صحية، وإفادات من ذوي الشهداء المفقودين، وفق الضوابط القانونية والشرعية". 

وفيما يتعلق بالتعامل مع إفادات الأرامل والأيتام، وكيفية إثبات حالاتهم القانونية، أضاف: "نعمل على توفير إثباتات قانونية عاجلة للأرامل والأيتام؛ لضمان حقوقهم في الميراث والوصاية والمساعدات، عبر اعتماد إفادات موثقة من العائلات، وإصدار وثائق بديلة تحفظ الحقوق المدنية والقانونية".

البوابة 24