تهدد وجود الفلسطينيين.. 3 عقبات أمام نجاح خطة توزيع المساعدات في غزة 

توزيع المساعدات الإنسانية
توزيع المساعدات الإنسانية

في خضم واحدة من أعنف الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، بدأت تتكشف معالم خطة أمريكية-إسرائيلية مشتركة، يروج لها تحت شعار "إدخال مساعدات إنسانية محدودة" إلى قطاع غزة.

إلا أن التحليلات والتقارير تشير إلى أن ما يطرح من مبادرات يحمل في طياته مشروعًا أكثر تعقيدًا وخطورة، هدفه الحقيقي ليس فقط تقديم العون، بل تقنين سياسة التجويع، وتكريس الحصار بصورة أكثر "نظافة" إعلاميًا، تمهيدًا لإخضاع سكان غزة وإجبارهم على النزوح أو القبول بأمر واقع جديد.

اقرأ أيضًا:

حصار جديد بغطاء إنساني

وفقًا لمعلومات مسربة وتقارير إعلامية، فإن الخطة تقوم على إخراج الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة في صيغة جديدة أكثر تقبّلًا دوليًا، فبدلًا من الظهور كمحاصر للشعب الفلسطيني، يعاد تقديم الاحتلال كمشارك في جهود الإغاثة، من خلال التنسيق مع "مؤسسة غزة الخيرية" (GHF) التي جرى الإعلان عن إنشائها في فبراير 2025، بمقر في جنيف، وبدعم أمريكي مباشر. 

والمؤسسة، التي يقودها شخصيات من خلفيات عسكرية وإنسانية أمريكية، وعلى رأسهم جيك وود، مؤسس "فريق روبيكون" والجندي السابق في مشاة البحرية الأمريكية، تسعى لاستبدال دور المنظمات الأممية التي تواجه انتقادات ورفضًا من الاحتلال الإسرائيلي.

عقبات تنفيذ الخطة

تشير التفاصيل إلى أن الخطة تبدأ من أربعة مواقع توزيع "آمنة" داخل غزة، ثلاثة منها في الجنوب وواحد في الوسط، مع تطلعات للتوسع لاحقًا إلى الشمال، وتنقل المساعدات من المعابر إلى مواقع التوزيع بواسطة شركات أمنية خاصة، دون أي تواجد للقوات الإسرائيلية في هذه النقاط، بحسب ما تؤكده المؤسسة.

ومن المفترض أن يحصل المواطن الفلسطيني على وجبة واحدة يوميًا تحتوي على 1750 سعرة حرارية، لكن الخطة تثير مخاوف من أن تتحول هذه المساعدات إلى وسيلة للسيطرة على السكان والتحكم في مصيرهم، في ظل غياب أي ضمانات حقيقية بعدم استغلال هذه العملية لأهداف سياسية وأمنية.

ووفقاً وبحسب ما ذكره موقع "زمان إسرائيل"، فإن الخطة الجديدة تواجع عقبات قد تجعل نجاحها صعباً، ومن بينها:

1. مؤسسة بلا خبرة

رغم الواجهة الإنسانية التي تقدم بها مؤسسة GHF نفسها، إلا أن الشكوك تتزايد حول قدرتها ومصداقيتها، فالمؤسسة تعتمد على شركتين خاصتين هما "Safe Reach Solutions" و"UG Solutions"، يديرهما ضباط سابقون في الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ما يثير تساؤلات واسعة حول الطابع الأمني للمشروع، خاصة مع عدم امتلاكهم أي خبرة ميدانية في العمل الإغاثي أو معرفة حقيقية بالسياق الفلسطيني.

ولم يخفي عدد من النشطاء والمنظمات الإغاثية تحفظهم على مشاركة أشخاص مرتبطين سابقًا بشركة "بلاك ووتر" سيئة السمعة، كما أعلن عن وظائف غامضة لما يسمى "ضباط اتصال إنساني"، في إعلانات انتشرت على موقع "لينكدإن"، ما يضيف مزيدًا من الريبة بشأن نوايا المشروع.

2. تمويل غامض ومصالح تجارية إسرائيلية

من الملاحظ أن مؤسسة GHF لم توضح بشكل شفاف مصادر تمويلها، سواء لشراء المواد الغذائية أو لتغطية أجور الشركات المنفذة، وكشفت التقارير العبرية عن مفاوضات تجرى لعقد صفقات مع شركات إسرائيلية لتوريد المواد الأساسية، وهو ما يراه مراقبون دمجًا بين المساعدات الإنسانية والمصالح التجارية للاحتلال.

3. سياسة التجويع وتعزيز السوق السوداء

في تصريح يعكس جوهر السياسة الإسرائيلية الجديدة، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن إسرائيل ستدخل "الحد الأدنى فقط من المساعدات"، وهذه السياسة، بحسب تقارير، لن تؤدي إلا لتعزيز السوق السوداء، ورفع الأسعار بشكل جنوني، ما سيحول صندوقًا غذائيًا يزن 20 كيلوغرامًا — مخصصًا لأسرة واحدة لأسبوع — إلى سلعة باهظة الثمن، وربما هدفًا للنهب والسرقة.

وصرح دبلوماسي إسرائيلي بارز بأن "المواطن الغزاوي الذي يضطر إلى السير كيلومترات وهو يحمل صندوق مساعدات، قد يتعرض للسرقة"، واصفًا الخطة بأنها "جنونية وغير قابلة للتطبيق".

نموذج ساخر يعمق النزوح

الأمم المتحدة بدورها لم تلزم الصمت، وعبرت عن رفضها القاطع للخطة، وقال توم فليتشر، مسؤول الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن، إن المؤسسة الجديدة ما هي إلا "عرض جانبي ساخر"، وأن تركيز توزيع المساعدات في الجنوب والوسط فقط يعزز هدف إسرائيل المعلن: تفريغ شمال غزة من سكانه.

وحذر فليتشر من أن النموذج الأمريكي "يفرض مزيدًا من النزوح ويعرض حياة الآلاف للخطر، إذ يحصر المساعدات في مناطق معينة، ويتجاهل الاحتياجات الأساسية في أجزاء أخرى من القطاع، بل ويجعل تقديم الغذاء مشروطًا بأهداف سياسية وعسكرية".

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" بدورها تحقيقًا خلص إلى أن هذه الخطة، بدلًا من أن تعزز عمل منظمات الأمم المتحدة، ستقوض قدرتها على العمل، مع أن الاحتلال ما زال يسعى لإقناعها بالانضمام إلى المشروع. 

وعبرت 10 منظمات إغاثة دولية كبرى عن قلقها من تركيز المساعدات في مناطق معينة، واعتبرت أن الخطة ستؤدي إلى موجة جديدة من التهجير، وتحوّل الإغاثة إلى أداة سياسية.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الخطة لا تحترم المبادئ الإنسانية الجوهرية، وأن الأمم المتحدة لن تشارك في أي مشروع لا يلتزم بالاستقلالية والحياد. 

كما دعا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة قادة العالم إلى الضغط من أجل رفع الحصار المفروض على غزة، وفتح المجال لإدخال المساعدات بحرية.

وكالة شهاب الإخبارية