غزة/ البوابة 24- إنعام عاهد فروانة
رغم ويلات الحرب المستمرة على قطاع غزة، التي طالت البشر والحجر، وألقت بظلالها القاسية على تفاصيل الحياة اليومية، يُصرّ طلبة الإعلام على رفع راية الأمل، والتسلّح بالإرادة، لإكمال مسيرتهم التعليمية والمهنية. لقد ارتدوا ثوب التخرّج لا في قاعات الجامعات، بل على جبهات الحقيقة ومنصات الميدان.
التحدي والواقع
العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 7 أكتوبر 2023، ألحق دمارًا واسعًا بالبنية التحتية، وتسبّب في تهجير آلاف الطلبة، وإغلاق وتدمير الجامعات، وتعطيل العملية التعليمية. ومع ذلك، تحدّى طلبة الإعلام هذه الظروف القاسية، وواصلوا دراستهم إلكترونيًا، كما شاركوا في تغطية الأحداث، موثّقين العدوان والدمار، وناقلين صوت الضحايا إلى العالم.
لم ينتظر هؤلاء الطلبة حفلاً تقليديًا لتخرّجهم، بل صنعوه بأنفسهم على أرض الواقع؛ حملوا الكاميرا بدل الشهادة، والميكروفون بدل الورود، ونزلوا إلى الميدان ينقلون بالصوت والصورة وجع الوطن، مثبتين أنهم أهل للمسؤولية الوطنية والمهنية، رغم حداثة تجربتهم.
في ساحات العمل
تؤكد الطالبة روان قاسم، من قسم الإذاعة والتلفزيون:"عايشت الحرب بكل تفاصيلها في شمال غزة، حيث واجهت صعوبات جمّة من الحصار والجوع، إلى جانب مواصلة الدراسة الجامعية والعمل الميداني. لم تثبطني التحديات، بل زادتني إصرارًا على نقل الحقيقة ومتابعة طريقي الأكاديمي، رغم حجم الدمار.
كنت أعمل تحت القصف، وفي ظل الإبادة الجماعية، خصوصًا في شمال القطاع. كنت أخرج يوميًا لتوثيق القصص الإنسانية من قلب المعاناة، من مناطق مثل جباليا، بيت حانون، تل الزعتر وبيت لاهيا. كتبت عن آلام الناس، ونقلت أصواتهم.
وفي كل مرة أخرج فيها، لم أكن أعلم إن كنت سأعود. كنت أواجه خطر الموت، ومع ذلك لم أتراجع. كنت أقول لنفسي: حتى وإن كانت فرص نجاتي ضئيلة، فإن واجبي هو أن أواصل، وأن أكون صوت من لا صوت له".
وتروي جنين أبو جراد، من القسم ذاته: "تم إلغاء حفل التخرّج، وتضرّرت الجامعة بسبب القصف. ومع ذلك، لم أستسلم. ارتديت ثوب التخرّج ووقفت بين الركام، وسمحت للكاميرا أن توثق تلك اللحظة، وأنا أقول: 'أنا خريجة زمن الحرب، لا مجرد خريجة جامعة'.
كتبت مشروعي للتخرّج عن دور الإعلام في فضح جرائم الحرب، وقد عشت هذا العنوان يومًا بيوم، وقررت أن أكون أنا الدليل الحي على ما يحدث".
وتضيف الطالبة ريما الحلبي، من قسم الصحافة: "عايشت المجاعة في شمال غزة، وكان الجوع شديدًا. كنت أذهب إلى الميدان مرهقة، بالكاد أقوى على الوقوف، ومع ذلك أجبرت نفسي على الاستمرار، رغم تدهور حالتي الصحية. حتى المواصلات كانت شبه معدومة، وكان الوصول إلى موقع الحدث معركة بحد ذاته. ورغم كل ذلك، شعرت بأن من واجبي كطالبة إعلام أن أنقل الحقيقة".
وتوضح عبير اليازجي، من قسم العلاقات العامة: "كنّا ندرس في القاعات الجامعية عن إدارة الأزمات، وها نحن نعيش الأزمة بأنفسنا، ونمارس الإعلام الحقيقي من داخل المأساة. تخرّجنا قبل إعلان النتائج، تخرّجنا ونحن نقاوم بالصورة والكلمة".
دعم رغم الدمار
رغم التحديات الجسيمة، سعت الجامعات الفلسطينية إلى تسهيل العملية التعليمية عن بُعد قدر المستطاع، كما قدّمت نقابة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الدعم التدريبي واللوجستي والمعنوي للطلبة، مما منحهم دفعة للاستمرار.
وكان لأساتذة الإعلام دور كبير في تحفيز الطلبة على التفكير النقدي، وتنمية مهاراتهم في تحليل وتغطية الأحداث بشكل مهني وموضوعي.
رسالة من تحت الركام
رسالة خريجي الإعلام في غزة اليوم واضحة: "نحن لسنا مجرد خريجين، بل شهود على المرحلة. لسنا فقط ناقلي أخبار، بل جزء من صناعة الحقيقة". يؤمن كثير منهم أن المسؤولية لا تنتهي بالحصول على الشهادة، بل تبدأ من تلك اللحظة، بنقل الصورة الكاملة، والدفاع عن حقوق شعبهم، وتعزيز الصوت الفلسطيني في وسائل الإعلام العالمية.
تخيل أن تكون مطالبًا بقول الحقيقة، في حين أن الحقيقة ذاتها مهددة بالاغتيال... ورغم ذلك، اختار طلبة الإعلام في غزة الطريق الأصعب: طريق الكلمة الحرة والصورة الشجاعة.
لم يتراجعوا، بل واصلوا دراستهم عبر الإنترنت حين دُمّرت القاعات، كتبوا تقاريرهم تحت ضوء الشموع بسبب انقطاع الكهرباء، قدّموا مشاريع تخرّجهم عن الحرب وهم يعيشونها لحظة بلحظة، وعملوا كمراسلين ميدانيين قبل أن يتسلّموا شهاداتهم.
تخرّجوا من تحت الركام، في وقت يحتفل فيه طلبة العالم في قاعات مكيفة، ويأخذون صورهم التذكارية بلا خوف.
في ظل العدوان والدمار، يثبت طلبة الإعلام في غزة أن الكلمة أقوى من الرصاص، وأن الصورة قد تُسقط رواية باطلة. لقد كتبوا تخرّجهم بالدم والصبر والعمل، ووعدوا بمواصلة المسير من قلب الركام، حاملين راية الوعي، مؤمنين بأن الإعلام جبهة من جبهات المقاومة.