غزة/ البوابة 24- رؤى القطاع:
تحت القصف وأصوات الانفجارات، تقف فتاة ترفع هاتفها عاليًا، تبحث عن إشارة إنترنت ضعيفة لتقديم طلب منحة دراسية، بينما تتردد حولها أصوات القصف والخراب.
في مكان آخر، لا يزال شاب يحاول إرسال أوراقه إلى الجامعة التي يحلم بالدراسة فيها وسط انقطاع الكهرباء المتكرر، وثالث ينتظر رسالة إجلاء قد تغيّر مستقبله الأكاديمي.
هذه المشاهد اليومية ليست استثناءً، بل هي صورة حية من واقع آلاف الطلبة الفلسطينيين الذين يحلمون بمواصلة دراستهم خارج قطاع غزة، لكنهم يصطدمون بواقعٍ قاسٍ من الحصار وإغلاق المعابر والحرب التي لا تنتهي.
ورغم كل ذلك، يصرّ هؤلاء الشباب على التشبث بأحلامهم، مؤمنين أن التعليم هو السبيل للصمود والحفاظ على مستقبلهم.
من القانون إلى الحلم الكندي
تجلس سندس قويدر، خريجة كلية الحقوق من جامعة الأزهر، أمام شاشة حاسوبها، تحاول إرسال أوراقها إلى الجامعات التي لطالما حلمت بالالتحاق بها. تقول سندس، البالغة من العمر 24 عامًا: "كنت أبحث عن أي منحة تساعدني على مغادرة غزة لأكمل دراستي وأنقذ حياتي."
قبل اندلاع الحرب، لم تتح لها فرصة السفر، لكن خلال الأشهر الأخيرة حصلت على قبول في أربع جامعات: جامعتان في بريطانيا، واحدة في رومانيا، وأخرى في إيطاليا. وتستذكر لحظة صعبة أثناء محاولتها التواصل عبر الإنترنت: "كنت أقف عند نقطة إنترنت، وفجأة تعرّض المكان للقصف، واضطررت للهرب بين الشوارع وسط خوف ورعب شديدين."
رغم المخاطر، واصلت سندس سعيها حتى تمكنت من التواصل مع مؤسسة كندية تُعرف باسم PSSR، التي ساعدتها على التواصل مع أساتذة جامعة واترلو في كندا. واليوم، ما تزال عالقة في غزة، غير قادرة على السفر، رغم أن الجامعة أجلت لها الفصل الدراسي الأول وأبقت المنحة قائمة حتى عام 2026.
تقول سندس بثبات، مزيج من الأمل والعجز: "ما زلت مصممة على تحقيق حلمي، وسأعمل المستحيل لأكمل دراستي العليا في القانون الدولي لمساعدة شعبي وإيصال صوتهم إلى العالم."
حلم البيوتكنولوجيا المؤجل
في بيت صغير وسط غزة، يجلس أسامة منصور، 23 عامًا، طالب الطب في جامعة الأزهر، محاطًا بملفاته وأوراق المنحة التي حصل عليها لاستكمال دراسته في جامعة تيرامو الإيطالية.
يقول أسامة: "الدافع الأساسي لدراستي خارج غزة هو الظروف الصعبة والحصار المستمر، الذي يعوق استمراري في التعلم بشكل طبيعي. إغلاق المعبر جعل التنقل شبه مستحيل وأثر على نفسيتي ودراستي."
على مدار شهور، واجه صعوبات كبيرة في التنسيق والانتظار والبحث عن فرصة للعبور، لكن أكثر ما أوجعه كان لحظة انتظاره عند بوابة رفح المغلقة: "شعرت بالعجز عندما رأيت الناس يُسمح لهم بالعبور بينما بقيت عالقًا، كأن حريتي ومستقبلي معلقان بدون سبب واضح."
ورغم كل ذلك، يظل أسامة متمسكًا بحلمه في استكمال دراسته، آملاً أن يعود يومًا إلى بلده حاملًا علمًا يمكن أن يساهم في شفاء الجسد الفلسطيني المنهك.
التبادل الطلابي الذي لم يكتمل
نهى حمادة، طالبة هندسة الحاسوب البالغة من العمر 22 عامًا، كانت على مشارف التخرج حين أغلقت الحرب كل الطرق أمامها. حصلت على فرصة تبادل طلابي، لكنها كانت مشروطة بتواجدها في الخارج بحلول موعدها، وفقدت هذه الفرصة بسبب إغلاق المعابر.
ورغم ذلك، تمكنت نهى من الحصول على قبول ماجستير في الخارج وتسعى حاليًا لترتيب إجراءات السفر، إلا أن الواقع لا يزال معقدًا تقول: "استخراج الشهادات صعب جدًا، والاختبارات التي توقفت بسبب انقطاع الإنترنت لا يمكن إعادة تقديمها إلا من خلال نظام غير مكتمل. رغم كل الصعوبات، أتمسك بحلمي وأريد أن أثبت نفسي دوليًا."
تصف نهى الأثر النفسي لهذه التحديات قائلة: "أحيانًا شعرت بالاكتئاب بسبب التعقيدات والتزامات المنزل، لكن ما زال هناك أمل، وسأواصل السعي لتحقيق أهدافي."
كما فعلت سندس، التي وقفت تحت القصف لإرسال أوراقها، وأسامة الذي بقي عالقًا عند بوابة رفح، ونهى التي تحدّت كل العقبات لإكمال دراستها، يواصل آلاف طلبة غزة التمسك بأحلامهم الأكاديمية. أكثر من 88 ألف طالب جامعي يعيشون اليوم واقعًا معلقًا بين القبولات المؤجلة والمنح المجمّدة، لكنهم لا يتوقفون عن المحاولة، متحدّين ظروف الحصار والدمار. في عيونهم، تظل قاعات الجامعات رمزًا للأمل، وفي تصميمهم على التعلم درسٌ للعالم بأن التعليم في غزة ليس رفاهية، بل فعل مقاومة.
