فضل يوم عرفة: مفتاح المغفرة والعتق من النار

يُعد فضل يوم عرفة من أعظم النِّعم التي يمنّ الله بها على عباده. هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، ويأتي محملاً بالبِشر والخير، حيث تتنزل فيه رحمات الله على عباده، وتُجاب فيه الدعوات، ويُغفر فيه للمتضرعين. هذا اليوم العظيم ليس فقط للحجاج الواقفين على صعيد عرفات، بل يمتد فضله ليشمل كل من يتقرب فيه إلى الله بصيام أو ذكر أو دعاء.

الشيخ أحمد عادل شيحة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أشار إلى أن فضل يوم عرفة يتمثل في أن الله يُباهي ملائكته بعباده، ويعتق رقابًا لا تُحصى من النار، ويغفر الذنوب لعباده المخلصين.

الوقوف بعرفة

من أهم صور فضل يوم عرفة في الحج هو الوقوف على صعيد عرفات. قال النبي ﷺ: "الحج عرفة". وهو حديث يُبرز بوضوح أن الوقوف بعرفة هو الركن الذي لا يكتمل الحج إلا به. يبدأ الوقوف من بعد الزوال (أي بعد الظهر) ويستمر إلى غروب الشمس. في هذا الوقت، تُجمع صلاتا الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ويبدأ الحجاج في الدعاء والتضرع.

وقد بيّن العلماء أن من أهم شروط صحة الوقوف أن يأخذ الحاج جزءًا من الليل على الأقل، ليدرك الوقوف بعرفة كما شرعه الله ورسوله.

الدعاء في يوم عرفة

من دلائل فضل يوم عرفة أن الدعاء فيه مستجاب، وهو من أحب الأعمال في هذا اليوم الفضيل. قال رسول الله ﷺ: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير."

ويُستحب الإكثار من الدعاء والتضرع في هذا اليوم المبارك، سواء كنت حاجًا أم لا. الدعاء في يوم عرفة فرصة لا تُعوّض لتفريج الكروب، وغفران الذنوب، وبلوغ الآمال.

جبل عرفات

فضل يوم عرفة يرتبط بجبل عرفات، ذلك السهل العظيم الذي يشهد وقوف الحجاج كل عام. إليك أبرز الحقائق عن هذا المكان المبارك:

• موقعه: يقع على بُعد 22 كيلومترًا شرق مكة، و10 كم من منى، و6 كم من مزدلفة.

• حدوده: هو المشعر الوحيد الذي يقع خارج حدود الحرم.

• جبل الرحمة: أكمة صغيرة وسط عرفات، يصعد عليها بعض الحجاج، رغم أن الوقوف عليها غير واجب شرعًا.

• مسجد نمرة: يقع في الطرف الغربي من عرفات، وتُلقى فيه خطبة يوم عرفة. يتسع لأكثر من 300 ألف مصلٍ.

• وادي عرنة: يفصل بين الحل والحرم، والجزء الذي يقع فيه مسجد نمرة لا يُعد من عرفات.

• الشاخص: علامة بيضاء أعلى جبل الرحمة، يبلغ ارتفاعها 7 أمتار، ويصعد إليها الحجاج للدعاء.

هذا المكان الطاهر ليس فقط رمزًا لموسم الحج، بل عنوانًا لرحمة الله التي تعمّ جميع عباده في هذا اليوم العظيم.

فضل يوم عرفة لغير الحجاج

ليس الحجاج وحدهم من ينالون فضل يوم عرفة، بل يمتد هذا الخير إلى عموم المسلمين. من أبرز ما يمكن فعله في هذا اليوم صيامه، فقد جاء في الحديث:
"صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده."

الصيام، والدعاء، والتوبة، وقراءة القرآن، كلها أبواب مفتوحة في هذا اليوم العظيم. فمهما كانت الذنوب، ومهما تراكمت الخطايا، فإن فضل يوم عرفة يمحوها، لمن أخلص النية وعزم على التوبة.

يوم لا يُشبهه يوم

في نهاية المطاف، يظل فضل يوم عرفة من أعظم الفضائل التي يمنّ الله بها على عباده في السنة. يوم تُغفر فيه الذنوب، وتُعتق فيه الرقاب، ويُجاب فيه الدعاء، ويعمّ فيه العطاء.

فلنغتنم هذه الفرصة العظيمة، ولنجعل من يوم عرفة بداية جديدة في علاقتنا مع الله، نملأه بالذكر، والتسبيح، والتوبة، والرجاء. هو يوم لا يُشبهه يوم، فلا تدعه يمرّ دون أن تكتب لك فيه مغفرة أو رحمة.