حجارة مقدسية في رقاب "العاشقين".. قلائد تُقاوم!

حجر القدس
حجر القدس

غزة/ أميرة نصار:

"لماذا لا أصنع من هذه الحجارة قطع حُليّ تُخلّد المدينة العريقة؟"، كان إبراهيم يكرر هذا السؤال في نفسه كلما مشى في شوارع القدس، وتأمل حجارتها العتيقة المرصوصة. بدا السؤال جنونيًا في حينه، لكنه لم يكن مجرد هذيان عابر، لقد صار واقعًا ملموسًا بعد عامين فقط.

إبراهيم حج خليل، الشاب المقدسي البالغ من العمر (26 عامًا)، هو أول من ابتكر فكرة صناعة مجوهرات يدوية من حجارة البلدة القديمة في القدس، جامعًا بين الحرفية الفلسطينية الأصيلة والتراث العريق للمدينة المقدسة.

يقول لـ"نوى": "اخترت حجارة القدس لرمزيتها، فهي تحيط بي من كل مكان؛ من بيتي، وحارتي، ومحلي. وهناك كثيرون يحلمون بامتلاك شيء يُذكّرهم برائحة القدس، فقررتُ أن أتعلم صناعة المجوهرات".

لم يتلقَ إبراهيم تعليمه المهني من الجامعات أو الكليات، بل اكتسب المهارة من مراقبة والده وشقيقه الأكبر أثناء عملهما في مشغل لصناعة الحُليّ. ومن خلال التجربة والتطوير، دمج في القطع التي يصنعها الحجارة المقدسية، فأضفى عليها طابعًا فريدًا.

يحكي إبراهيم عن تفاصيل عمله بشغف واضح: "صناعة الحُليّ من الحجارة تتطلب وقتًا وجهدًا مضاعفين. أبدأ بجمع الحجارة المتساقطة من بيوت البلدة القديمة، ثم أنظفها بعناية من الأوساخ والأتربة لضمان نقائها. بعد ذلك أقوم بتكسيرها حسب الحجم المطلوب، ثم أرسم الشكل الذي أريده، وأنحته باستخدام أدوات دقيقة، بتأنٍ بالغ".

في متجره الصغير "إيلياء" الواقع في شارع الواد، يعرض إبراهيم أقراطًا وقلائد وأساور، تجسد أبرز معالم القدس بشكل مصغر. بنبرة فخر يتحدث عن أول قطعة حُليّ أنتجها من الحجر المقدسي: "كانت خريطة فلسطين. وحين عرضتها، لاقت قبولًا واسعًا، وسرعان ما تبعتها قطع أخرى تجسد معالم القدس مثل قبة الصخرة، وباب العمود، وعرق الزيتون. كل قطعة تروي قصة فريدة، وتحمل عبق المدينة".

بالنسبة لإبراهيم، ليست المجوهرات التي يصنعها مجرد زينة. يقول: "هي رسالة، تعكس الهوية والانتماء، والحب العميق للقدس وحجارتها الثمينة". وهذا ما لمسته مها أبو سيدو، فتاة غزّاوية نازحة تقيم في مصر، حين تلقت هدية من أصدقائها: قطعًا فضية مطعمة بحجارة القدس.

تقول: "كنت أحلم دائمًا بامتلاك شيء من القدس. زرتها مرة واحدة، وسكنت روحي. واليوم، حين أجبرت على النزوح بسبب حرب الإبادة في غزة، وضعت خاتم خريطة فلسطين وسلسلة باب العمود في حقيبة الطوارئ. الآن، ترافقني هذه القطع وتؤنسني في غربتي".

تلمس مها القلادة المعلقة على رقبتها وتضيف: "هذه القطعة اختصرت حبنا لوطن لا نستطيع الوصول إليه، لكنها تسكن معنا أينما ذهبنا".

وغيداء محمد، فتاة مقدسية تبلغ من العمر (22 عامًا)، كانت قد خرجت من المسجد الأقصى حين استوقفتها عبارة على باب متجر "إيلياء": "كل حجر يحمل قصصًا وأحداثًا تاريخية". بدافع فضول ممزوج بانتماء عميق، دخلت المتجر واشترت قلادة على شكل خريطة فلسطين من الحجر المقدسي.

تقول: "أرتدي القلادة دائمًا، فهي تمنحني شعورًا بالفخر والثبات، رغم كل التحديات التي يفرضها الاحتلال علينا يوميًا".

عفاف الدجاني، الناشطة الاجتماعية المقدسية، ترى في هذه المجوهرات لغة تراثية حية تحمل في تفاصيلها عبق التاريخ الفلسطيني. تقول: "ليست مجرد زينة، بل رسائل صمود من أهل المدينة، تعبّر عن التمسك بالهوية والانتماء، وتُظهر إبداع المقدسيين في مواجهة منغصات الاحتلال".

وتتابع الدجاني: "رغم كل ما يفرضه الاحتلال من تضييق على أصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة، هناك عقول وأيادٍ مقدسية مبدعة نحتت حجارة المدينة الممتدة لآلاف السنين، وطعّمتها بالفضة، لترسل رسالة واضحة: جذور القدس فلسطينية عربية".

تؤمن الدجاني أن مشروع "إيلياء" يسهم في تعزيز صناعة المجوهرات المحلية، ويدعم السياحة الثقافية، مما يخلق قيمة مضافة للاقتصاد الفلسطيني.

وتختم بدعوة واضحة للمقدسيين والزوار: "ادعموا هذه المشاريع بزيارة أسواق البلدة القديمة، اكتشفوا جمالياتها، وامنحوا الحياة لأزقتها بالحضور والشراء".

نوى