بقلم الصحفي: حلمي الغول
في تصريح مثير للجدل، كشف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مقابلة مع قناة "i24" العبرية، عن ارتباطه العميق بما أسماه "رؤية إسرائيل الكبرى"، وهي فكرة توسعية تشمل وفق المزاعم الإسرائيلية أراضي فلسطين المحتلة وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر. هذه التصريحات التي أعاد موقع "تايمز أوف إسرائيل" نشرها، تعكس توجهًا أيديولوجيًا متجذرًا في عقلية نتنياهو، قائم على ما يصفه بـ"المهمة التاريخية والروحية" الموروثة من أجيال الحركة الصهيونية. الجذور التاريخية لفكرة "إسرائيل الكبرى" ظهر مصطلح "إسرائيل الكبرى" بشكل بارز عقب حرب يونيو/ حزيران 1967، عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان. ومنذ ذلك الحين، بقيت هذه الرؤية حاضرة في خطاب اليمين الإسرائيلي، حتى وإن كانت مغلفة أحيانًا بلغة الأمن والسلام، فهي في جوهرها مشروع استيطاني توسعي يهدف إلى ضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي العربية. في يناير الماضي، أعادت وزارة الخارجية الإسرائيلية الترويج لهذه الفكرة عبر نشر خريطة "مزيفة" تزعم امتداد ما يسمى بـ"المملكة اليهودية" عبر فلسطين والأردن وأجزاء من لبنان وسوريا ومصر، في محاولة لإضفاء شرعية تاريخية على مشروع سياسي استعماري. المواقف العربية المتوقعة من الناحية الرسمية، الأردن ولبنان وسوريا ومصر هي دول وقّعت معاهدات أو ترتبط باتفاقيات تهدئة أو تفاهمات أمنية مع إسرائيل، باستثناء لبنان وسوريا اللتين لا تزالان في حالة حرب رسمية معها. الأردن: لن يقبل علنًا بأي تهديد لسيادته، خاصة وأن ملف القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات قضية حساسة داخليًا. لبنان: يعتبر أي خطوة إسرائيلية توسعية بمثابة إعلان مواجهة، خاصة في ظل التوتر القائم مع حزب الله. سوريا: منشغلة بالحرب الداخلية لكنها لن تمنح شرعية لأي مشروع توسعي، وقد تلجأ إلى تصعيد الخطاب السياسي. مصر: ستحافظ على خطاب رافض، لكن من غير المتوقع أن تتجاوز حدود الدبلوماسية، نظرًا لارتباطها باتفاقية كامب ديفيد والمصالح الأمنية المشتركة. التأثير على "اتفاقيات إبراهام" تصريحات نتنياهو تمثل إحراجًا كبيرًا للدول العربية الموقعة على "اتفاقيات إبراهام" (الإمارات، البحرين، المغرب، والسودان)، إذ تكشف الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني الذي لا يقتصر على التطبيع، بل يمتد إلى أطماع جغرافية واضحة. هذا قد يدفع بعض الأطراف إلى إعادة تقييم مسار التطبيع، أو على الأقل إبطاء وتيرته، خاصة في ظل تصاعد الغضب الشعبي العربي بسبب مجازر الاحتلال في غزة. البعد السوري – الدرزي تزامن هذه التصريحات مع الحديث عن لقاء سوري – إسرائيلي غير مباشر حول ملف الدروز في السويداء يثير تساؤلات عن الأجندات الخفية. فإسرائيل قد تحاول استغلال قضايا الأقليات لفرض نفوذ أو ترتيبات تخدم مشروعها التوسعي، وهو ما يستدعي يقظة عربية شاملة. الصمت العربي: استمرار أم انتفاضة دبلوماسية؟ التجربة التاريخية تشير إلى أن الرد العربي على خطوات إسرائيل التوسعية غالبًا ما يكون محدودًا، يقتصر على بيانات تنديد دون تحرك عملي. ومع استمرار المجازر في غزة، هناك خشية من أن تمر تصريحات نتنياهو الأخيرة دون رد قوي، ما سيمنحه الضوء الأخضر للمضي قدمًا في مشروعه. وفي الختام ، تصريحات نتنياهو ليست مجرد خطاب انتخابي أو مناورة إعلامية، بل هي إفصاح صريح عن عقيدة سياسية توسعية تشكل خطرًا مباشرًا على الجغرافيا والسيادة العربية. تجاهل هذه التصريحات أو التعامل معها بخطاب دبلوماسي بارد قد يعني أن المنطقة تتجه نحو مرحلة أكثر خطورة، حيث يصبح مشروع "إسرائيل الكبرى" من طموح أيديولوجي إلى واقع سياسي على الأرض.