بُترت ساقها وفقدت وعيها والنطق.. ماتت "ريفان" مرّتين.. لكنها "تتنفّس"!

الطفلة ريفان جنينة
الطفلة ريفان جنينة

غزة/ إسلام الأسطل:

في غرفة باردة تلفّها الأجهزة، ترقد الطفلة ريفان جنينة، مكبّلة بأنابيب التغذية والتنفس، بينما تُغطّي الغُرفة سكينة ثقيلة لا يقطعها سوى صوت أجهزة المراقبة الطبية. قدمها اليمنى غير موجودة، ووعيها غائب، كما لو أن الحياة انسحبت منها على مراحل، بدءًا من لحظة استهدافها بقذيفة خلال مرورها عبر شارع صلاح الدين.

"أصيبت بقذيفة، وهي ما كانت تعمل شي، طفلة بريئة"، تقول جدّتها، بصوت خافت متقطع يعلوه الرجاء. كانت ريفان، كما تروي مفعمةً بالحياة والنشاط. "كانت وردة. ذبُلت قبل الميعاد" تضيف.

نُقلت الطفلة إلى المستشفى إثر الإصابة. وصلت بحالةٍ صعبة. قدمها اليُمنى كانت شبه مبتورة، ومع ذلك تمسّك الأطباء بأملٍ ضئيل، وأعطوها 24 ساعة "لعل تحسنًا يطرأ".

لكن المعجزة لم تأتِ. في صباح اليوم التالي، أعلن الأطباء أن البتر هو الخيار الوحيد لإنقاذ حياتها. وحين أُبلغت الجدة بذلك، رددت الطفلة ما يشبه الوصية البريئة: "الحمد لله يا ستي. أنا راضية باللي كتبه ربنا"، ثم دخلت غرفة العمليات. خرجت منها بجسد ناقص وذهن غائب.

"بُترت الساق، والبنت ما وعيت من يوم العملية"، تقول جدّتها بينما تنظر إليها بعينين ممتلئتين بالدمع، "هناك خلايا بدماغها ميتة، هكذا أخبرني الأطباء. لا تحكي، لا تسمع، ولا تأكل، إلا عن طريق أنبوب ومحلول".

الطفلة التي كانت تلهو يومًا ما ببراءة، باتت اليوم جسدًا ساكنًا على سرير المستشفى، لا تبدي أيّ رد فعل. صورتها تمزّق القلب، وتفتح سؤالًا قاسيًا: "ما ذنب الأطفال في هذه الحرب؟".

جدتها، التي تحاول التماسك، لا تطلب الكثير. "أنا بناشد كل إنسان، كل اللي بشوف صورتها، يرأف فيها: تركب طرف، ينشاف دماغها، بدنا نطّمن عليها بس. عقلها مش صاحي. لا حكي، لا سمع، لا وعي".

حتى محاولات زيارة الجدة لها لم تسلم من فرضية الموت التي تلف المكان. تخبرنا: "قبل يومين أنا وسيدها ضربتنا قذيفة وإحنا جايين نزورها في المستشفى، كنا جايبينلها أكل".

كأن ريفان محاصرة بالدم من كل الجهات، حتى خارج غرفة المشفى التي أكلت روحها وقلبها وبقايا الأمل.

تغيب الطفلة عن الدنيا، لا لأنها ماتت، بل لأن الحرب سرقت منها كل ما يجعل الحياة حياة: الحركة، الكلام، الطعام، وحتى الوعي. تبقى ريفان هناك، على السرير، شاهدة حيّة على حربٍ استهدفت الطفولة في أكثر صورها هشاشة.

البوابة 24