كتب بسام صالح
في نهاية المطاف، حضر وشارك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس احتفال أترجو، احتفال حزب "إخوة إيطاليا"، حزب الفاشية الجديدة الحاكمة في إيطاليا.
ولو فعل ذلك في سياق زيارة دولة ومحادثات رسمية بين المؤسسات الحكومية كما حدث قبل فترة وجيزة لما تفوه انسان بكلمة ضد. لكنه اليوم فعل ذلك وهو يدرك تمامًا أن هذين أمران مختلفان تمامًا.
فالعلاقات بين الحكومات أمر، وغالبًا ما تكون على ما هي عليه وتندرج ضمن نطاق الدبلوماسية، سواء طُلبت أو اقتضت الظروف ذلك.
أما قبول دعوة لحضور فعالية حزبية لقوة سياسية، حتى لو كانت في الحكومة، فهو أمر مختلف تمامًا. هذا الخيار الثاني سياسي بحت، ولا يفرضه أي بروتوكول دبلوماسي. إنه خيار قد نصفه بأنه منحاز لصالح حزب حاكم وقف بامتياز مع أعداء الشعب الفلسطيني. الا اذا اعتبرنا أن اسرائيل ليست عدوة للشعب الفلسطيني.
طوال هذه السنوات، تجنبنا في ايطاليا التعليق على المشاكل الداخلية للحياة السياسية للمنظمات الفلسطينية أو اتخاذ موقف منحاز لطرف دون الآخر. نتذكر جيدًا جميع اللحظات العصيبة للصراع الداخلي، الذي كان غالبًا ما يكون داميًا، وبينما كنا نُدرك كيفية التمييز بين الخيارات المتاحة، كنا نؤكد دائمًا أن الحل يكمن في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لتكون شاملة وممثلة لجميع المنظمات الفلسطينية، ضمن مشروع مشترك للتحرر وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.
حتى عندما اتضح أن السلطة الفلسطينية قد أضعفت مكانة منظمة التحرير الفلسطينية أولًا وأخذت مكانها ثانيا كنا نؤمن بأن الأمر يعود للفلسطينيين ليقرروا كيفية توجيه هذا المشروع سياسيًا.
كنا ومازلنا نؤمن أن مهمتنا هي دعم مقاومة الشعب الفلسطيني بكافة أشكالها لتحرير أرضها، ولكن قبل كل شيء، أن نعمل في إيطاليا لضمان قطع جميع آليات التعاون والتواطؤ مع الجهاز السياسي والعسكري والاقتصادي والأيديولوجي الإسرائيلي.
لكن قرار الرئيس محمود عباس بقبول دعوة رئيسة الوزراء ميلوني للمشاركة في فعالية لحزبها يُثير قلق النشطاء الإيطاليين المتضامنين مع فلسطين، خاصة بعد كلمة ميلوني في تقديمها للرئيس الفلسطيني عندما وجهت كلماتها لضرب أحزاب المعارضة وقوى التضامن الذين اتهموا الحكومة بالتواطؤ والمشاركة في حرب الإبادة للشعب الفلسطيني. ولذلك نشعر بأن من حقنا التعبير عن رأينا.
نشعر بالغضب والاستياء إزاء قبول دعوة ميلوني، والتي طالب العديد من النشطاء الإيطاليين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني برفضها خلال الأيام السابقة.
إن قبول دعوة حزب ميلوني السياسي - كحزبٌ يختلف عن دعوة من الحكومة - يُعدّ إهانةً لجميع مئات الآلاف الذين خرجوا إلى الشوارع في السنوات الأخيرة من أجل فلسطين، والذين يواجهون يوميًا مواقف الحكومة وأحزابها اليمينية المؤيدة للصهيونية، ويناضلون، من موقع الى اخر، من أجل تفنيد الرواية الصهيونية المهيمنة في إيطاليا، وتثبيت السردية الفلسطينية، ويحققون نتائج ملموسة في قطع العلاقات بين المؤسسات والشركات الإيطالية والإسرائيلية.
إن مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية في احتفالات أتريجو - وليس مؤتمر كما يدعي البعض وكما هو في كلمة الرئيس - تُعزز موقف زعيمٍ مؤيدٍ لإسرائيل مثل ميلوني، وتُضفي الشرعية على دور أكبر حزب يميني في تجريم حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني. من خلال تقديم مشروع قرار مقاربة العداء للصهيونية بالعداء للسامية للبرلمان الايطالي .
إن مشاركة الرئيس محمد عباس في احتفالات أتريجو تشكل إهانة لكل أولئك الذين يناضلوا ومنذ سنواتٍ طويلة في إيطاليا من أجل فلسطين، كما أنها تُشير إلى نهاية أي احترامٍ كان يُكنّ سابقًا لمصداقية قيادة السلطة الفلسطينية.
سنبقى متوافقين مع أنفسنا وقناعاتنا بأنه الشعوب المناضلة من أجل قضاياها العادلة لن تتوقف مسيرتها وان انتصارها حتمية تاريخية لا تقبل الجدل. ونضال الشعب الفلسطيني المتواصل منذ ما يزيد على المائة عام هو مثال تحتذي به شعوب العالم في نضالاتها من أجل عالم أفضل تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية .
ليتحمل كل فرد مسؤولياته تجاه شعبه.
روما 13/12/2025
