ليستخدمها في إشعال نار الحطب.. لهيب المجاعة يطال "الفن".. طه أبو غالي أحرق لوحاته!

الفنان طه ابو غالي
الفنان طه ابو غالي

غزة/ إسلام الأسطل

كان يحدّق في اللوحة كما لو أنها طفله. أصابعه تتردد، تتشنج، ثم تنهار. ينكسر الإطار، وتتهاوى الألوان التي طالما أنقذت روحه من ضيق الحصار. يمدّ الفنان الغزّي طه حسين أبو غالي يده إلى رماد فنه ليشعل به نارًا، يطهو فوقها القليل من الطعام لأطفاله الجائعين. لم يكن مشهدًا من مسرح عبثي، بل مشهدًا واقعيًا يُعرض كل يوم في غزة المحاصرة.

على مدار عشرين عامًا، شكّل طه لوحاته واحدة تلو الأخرى، بألوان تحمل ذاكرة المدينة ورائحة بحرها ووجع مخيماتها. لكن في صيف المجاعة، حيث لا غاز ولا كهرباء ولا وقود، تحوّل الفن إلى حطب. يقول بصوت متهدج في مقطع مصوّر نشره على صفحته: "اضطررت لتحطيم أجمل لوحاتي، كانت عزيزة على قلبي، لكن في غزة، لم يتبقَّ أمامنا أي خيار".

قبل أن يصل إلى هذا القرار القاسي، جرّب كل ما أمكن: حطّم أثاث البيت، كسّر أبواب الغرف، نزع الخشب من مكاتب أطفاله، حتى غادر منزله تحت وطأة النزوح، تاركًا وراءه كل ما كان يؤنسه. لم يبقَ سوى لوحاته، وقد أصبحت هي الأخرى طُعْمًا للنار.

يعيش أكثر من 2.4 مليون إنسان في غزة داخل دوامة المجاعة منذ مارس/ آذار الماضي، وسط حصار عسكري شامل. لا طحين، لا طعام، لا أمل. ولعل ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يختصر المشهد: "هذه ليست مجرد أزمة إنسانية، بل أزمة أخلاقية تتحدى ضمير العالم.. البيانات لا تطعم الأطفال الجياع".

ما أحزن طه أكثر من كل ذلك، هو التفاعل الذي تلقاه من متابعين حول العالم بعد نشره مشهد تحطيم لوحاته. قال مستنكرًا: "أثار هذا الفيديو ضجة، بينما لا أحد يكترث بمجازر يومية تُرتكب هنا". وتابع: "بعضهم عرض عليّ شراء اللوحات، تلك اللوحات التي تنقلت بها لتنجو من مكانٍ إلى آخر حين يشتد القصف، كأنني قطة تنقل صغارها، حتى انتهى بها المطاف إلى الاحتراق هنا وسط هذا الرماد".

قصة طه ليست استثناءً. آلاف العائلات لجأت إلى تحطيم مكتباتها وأثاثها واستخدام أوراق الكتب لإشعال النار وطهي ما تيسّر من طعام، إن وُجد. خلال الحرب، طالت الغارات الإسرائيلية المؤسسات الثقافية كما طالت البشر. دُمّرت مكتبة الجامع العمري، ومكتبات منصور واليازجي، وبيت العلمي، والسقا، والغصين، وأحرِقت قبة المخطوطات القديمة، وسُحقت مكتبات الجامعات والبلديات، في استهداف لا يرحم لذاكرة المدينة وهويتها الثقافية.

في نهاية المشهد، لا يبقى شيء سوى الدخان، والرماد المتصاعد من قلب لوحة أُنجزت بحب. ينظر طه إلى أطفاله حول القدر ويهمس لنفسه: "أُطعِمهم من رماد الفن.. أي زمن هذا؟".

 

resize (1).jfif


1754394200-6206-11.jpg


1754394169-3143-11.jpg


1754394139-6799-11.jpg


1754394100-5356-11.jpg
 

نوى