رواية المائق لجميل السلحوت تفتح أبواب التاريخ

ديمة جمعة السمان

"المائق" تفتح أبوابا واسعة على التاريخ الفلسطيني والبيئة الاجتماعية. تُعد رواية جميل السلحوت " المائق" الموجهة للفتيات وللفتيان الصادرة عن مكتبة كل شيء في حيفا من الأعمال الموجهة للناشئة، وهي تفتح أبوابًا واسعة على التاريخ الفلسطيني والبيئة الاجتماعية بما فيها من قيم وعادات.

تدور أحداثها في فترة الحكم العثماني في منطقة النبي موسى قرب القدس، وتتمحور حول شخصية ماجد ابن الشيخ مسعود الذي وُصف منذ طفولته بـ"المائق"، أي ضعيف النمو والمتأخر في خطواته الأولى، الأمر الذي جعله محل تهميش في عشيرته. لكن الحكاية سرعان ما تأخذ مسارًا آخر حين يجد نفسه في كنف شيخ بدوي يرعاه ويهتم به، فينشأ على قيم الفروسية والكرم والشهامة، ويصقل شخصيته على مدى سنوات طويلة، ليعود مختلفًا عمّا توقعه الجميع، وقد غدا شخصية قوية جديرة بالاحترام.

الرواية تنجح في إيصال رسائل تربوية واضحة للجيل الناشئ، أبرزها أن الإنسان قادر على التغيير متى ما وجد بيئة حاضنة وداعمة، وأن الأحكام المسبقة التي يطلقها المجتمع لا تحدد مصير الفرد. كما تطرح مجموعة من القيم الأصيلة مثل الوفاء، الصبر، الكرم، إكرام الضيف، واحترام الخيل، إلى جانب التشديد على دور الأسرة ومسؤوليتها، والتنبيه إلى أن التخلّي عن الأبناء قد يورث ندمًا لا يُجبر.

وفي البعد الفني، يلاحظ القارئ لغة سلسة مشوقة تناسب الفتيان والفتيات، مع فصول قصيرة ورسومات مرافقة تضفي على النص جاذبية خاصة وتشجع القارئ على المتابعة. كذلك فإن استدعاء الكاتب لمواقع فلسطينية كالمسجد الأقصى وأسواق القدس ومقام النبي موسى يعزز الارتباط بالهوية والتاريخ، ويمنح الرواية قيمة توثيقية ومعرفية إلى جانب بعدها الحكائي.

أما من حيث الملاحظات، فإن الرواية تميل في بعض جوانبها إلى المثالية، إذ يظهر ماجد بعد تحوله نموذجًا متكاملًا يقترب من المثال الأعلى، وربما كان من الممكن إبراز شيء من صراعاته الداخلية ليبدو التحول أكثر واقعية. ومع ذلك، فإن هذه المثالية قد تكون مقصودة في سياق أدب الناشئة، حيث يسعى الكاتب لتقديم نماذج إيجابية تلهم القراء الصغار وتغرس فيهم قيمًا أصيلة.

في المحصلة، تقدم "المائق" نصًا تربويًا شيقًا يجمع بين المتعة الأدبية والرسالة الإنسانية، ويبرهن على قدرة السلحوت في مخاطبة الأجيال الجديدة بلغة تناسبهم وتستجيب لتطلعاتهم. إنها رواية تُشجع القارئ على الثقة بالنفس وتفتح عينيه على دور التربية والبيئة في تشكيل مصيره، وتضيف لبنة جديدة إلى مشروع الكاتب الأدبي الذي يسعى لتأصيل القيم الفلسطينية في قالب قصصي ممتع.

البوابة 24