الإعلام العبري ومعركة الوعي في غزة

بقلم حلمي الغول /صحفي فلسطيني

مشاهد النزوح القسري من شمال غزة إلى جنوبها لا يمكن وصفها إلا بأنها اقتلاع للروح من الجسد. آلاف العائلات تترك بيوتها تحت ضغط الشائعات والخوف من المجهول، وهي مشاهد تقشعر لها الأبدان وتكشف حجم الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال على شعبنا. المعضلة الكبرى لا تكمن فقط في قوة الرواية الإسرائيلية، بل في ضعف وعينا الإعلامي واعتماد شريحة واسعة من الناس على الإعلام العبري كمصدر رئيسي للأخبار. هذا الإعلام لا ينقل الحقيقة، بل يوظف كل كلمة وصورة في إطار مخططات الحرب النفسية، بهدف بث الرعب وإضعاف صمود الناس. يزداد الأمر خطورة مع انتشار فوضى النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقوم بعض الجهات والأشخاص بنسخ ولصق الأخبار دون تدقيق أو التحقق من مصدرها، فيمارسون دورًا سلبيًا يعزز من انتشار الدعاية الإسرائيلية بدل مواجهتها. هذه الممارسات تفتقر إلى أدنى معايير المهنية وأخلاقيات العمل الصحفي، وتحوّل المجتمع إلى ساحة مفتوحة أمام الشائعات والتضليل. إن ما نعيشه اليوم يثبت أن المعركة ليست فقط بالسلاح، بل بالوعي والإعلام أيضًا. الاحتلال يراهن على ضرب الجبهة الداخلية من خلال إشاعة الخوف واليأس، بينما نحن بحاجة إلى إعلام وطني مهني، قادر على كشف التضليل وتقديم الرواية الفلسطينية بصدق وقوة. إعلام يملك المصداقية والسرعة، ويجعل المواطن يثق بما يسمع ويرى، بدل أن يظل أسيرًا لروايات الاحتلال. من هنا، تبرز ضرورة بناء استراتيجية إعلامية وطنية، تقوم على التوعية المجتمعية، وتعزيز ثقة الجمهور بمصادره الرسمية والوطنية، وتدريب كوادر قادرة على التعامل مع الأزمات الإعلامية. فالمعركة على الوعي لا تقل خطورة عن المعركة على الأرض، والانتصار فيها هو ضمان لصمود شعبنا في وجه التحديات.

البوابة 24