غزة/ البوابة 24- ريما سويسي:
لم يكن (رامي.ش) يتوقع أن يُرشَد إلى دواءٍ مخصص للحوامل كي يستعيد بعضًا من طاقته المفقودة. فقد داهمته مؤخراً أعراض غريبة: إنهاك متواصل، وغياب كامل للطاقة، وتعب يثقل جسده حتى عن أبسط الأعمال.
كتب منشورًا على صفحته في "فيسبوك" يبوح فيه بأوجاعه، ففوجئ بتعليق أحد أصدقائه: "جرّب دواء اسمه كيرك، سيفيدك كثيرًا.. هو في الأساس للحوامل". في البداية اعتقد رامي أن صديقه يمازحه في ظل الحرب الكئيبة، لكنه اكتشف أن النصيحة جادة وصادمة في آن.
لم يتردد، وذهب مباشرة إلى صيدلية صغيرة وسط الركام في حي الكرامة شمال غربي غزة، طالبًا دواء "كيرك". نظر إليه الصيدلاني بدهشة وسأله: "هل هي حامل؟"، فأجابه رامي بابتسامة شاحبة: "اعتبرني حاملًا". كان ذلك المشهد اختزالاً لحياة كاملة من الفقد.
محاولات للنجاة
الصيدلاني رشيد عودة شرح الأمر قائلًا: "ذلك الدواء هو مكمل غذائي مخصص للحوامل لأنه غني بالفيتامينات والمعادن، لكن في ظل المجاعة أصبح المواطنون من مختلف الأعمار يطلبونه بشراهة. إنه يسد فراغًا صغيراً من الاحتياجات الغذائية، لكنه ليس بديلاً عن الطعام". وأضاف بصوت متهدج: "بعض هذه الفيتامينات تحتاج وجبة دهنية كي تعمل بفعالية، لكن الناس يتناولونها على معدات فارغة لعدم توفر أي طعام". ثم كشف بحزن أن هذه المكملات في الأصل مساعدات إنسانية تم تهريبها إلى السوق السوداء وبيعها بأضعاف ثمنها.
ويختم عودة بقوله: "قلة الأكل والمجاعة التي نعيشها تضرب الكلى لغياب الأملاح الضرورية، وقد تسببت بكثرة الوفيات مؤخرًا، خاصة بين المرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة".
في بيت حانون، يجرّ الشيخ تيسير (75 عامًا) جسده المثقل بالدوخة والأنيميا والإغماءات المتكررة، باحثًا عن أي دواء يعينه على الصمود.
يقول وهو يلتقط أنفاسه: "بالكاد أستطيع السير. ما إن أخرج لقضاء غرض حتى يداهمني دوار شديد. صرت كثير النسيان.. ربما لأننا لم نعد نأكل كما ينبغي". ويضيف وهو يجلس على كرسي خشبي في الصيدلية: "ابني نصحني اليوم بتجربة هذا الدواء (قصد مكملات الحوامل)؛ لتعويض النقص الحاد في الفيتامينات بعد أن فرغت الأسواق من الطعام".
اضطراب كيمياء الدماغ!
أما الصيدلاني إبراهيم جودة فيصف المشهد من زاوية أخرى: "الجميع في غزة يعاني من خلل غذائي أثر بقسوة على صحة المواطن المنهك أصلاً بفعل الحرب. هذا الخلل أفرز كوارث صحية آنية ومستقبلية. الناس يحاولون سد النقص بالفيتامينات القليلة المتوفرة، لكنها لا تغني عن الطعام الطبيعي المتوازن".
ويضيف بقلق: "النقص لا يقتصر على الجسد فحسب، بل يترك أثره على النفس أيضًا. اضطراب كيمياء الدماغ الناتج عن قلة الفيتامينات يسبب اكتئابًا وارتباكًا ذهنيًا وحتى فقدانًا مؤقتًا للذاكرة".
اليوم، يقف قطاع غزة على حافة المجاعة، فيما تتزايد الأخبار عن وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية. مؤشرات استهلاك الغذاء وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ اندلاع الحرب، وهو ما أكده تقرير "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي"، محذرًا من أن الخطر لم يعد بعيدًا بل صار واقعًا يلتهم حياة الناس بصمت.