رواية عين الزيتون وما خفي أعظم

جميل السلحوت

صدرت عام ٢٠٢٥ رواية "عين الزيتون" للأديب الفلسطينىّ الكبير محمد على طه عن دار الأهليّة للنّشر والتّوزيع في عمّان، وتقع الرّواية الّتي صمّم غلافها الأوّل زهير أبو شايب، ويحمل الغلاف لوحة للفنّان سليمان منصور في ٢٩٤ صفحة من الحجم المتوسّط. عنوان الرّواية: عين الزّيتون قرية فلسطينية تبعد عن مدينة صفد ميلا ونصف، جرى قتل وتشريد أهلها وتدميرها في العام ١٩٤٨. المولّف: ولد الأديب محمد علي طه عام ١٩٤١في قرية ميعار في الجليل الفلسطيني، الّتي تمّ هدمها وترحيل مواطنيها عام ١٩٤٨، ولجأت أسرة الكاتب إلي قرية كابول، ولا يزال يعيش فيها. وقد عرفنا أديبنا الكبير كقاصّ صدرت له أربع عشرة مجموعة قصصيّة للكبار، وستّ عشرة قصّ للأطفال، كما صدر له أربع مسرحيّات، وسيرة ذاتيّة بعنوان "نوم الغزلان". ورواية" نوم الغزلان" هي الرّواية الثّالثة له بعد "سيرة بني بلّوط" الصّادرة عام ٢٠٠٤، و"نوّار العلت" الصّادرة عام ٢٠٢١. والأديب محمد علي طه واحد من أبرز رموزنا الأدبيّة، ترجمت قصصه لأكثر من لغة عالميّة، وقد حاز على عدّة جوائز منها: وسان الاستحقاق عام ٢٠١٣، وجائزة دولة فلسطين في الآداب عام ٢٠١٥. والقارئ لروايته الأخيرة" عين الزّيتون" سيجد أنّها تتحدّث عن معاناة من شُرّدوا من ديارهم عام ١٩٤٨ إلى أرض الّلجوء، تاركين ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وتتحدّث أيضا عن معاناة من عضّوا على تراب وطنهم بالنّواجذ. وواضح أنّ الكاتب قد اعتمد في روايته على معايشته للحالة طفلا وشابّا وكهلا وشيخا، كما اعتمد علي التّأريخ الشّفوي لمن عاشوا المأساة. والقارئ للرّواية لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء؛ ليقف على الثّقافة الشّعبيّّة الموسوعيّة للكاتب، حيث ورد في الرّواية الكثير من الأمثال والأقوال والألقاب والعادات والتّقاليد والأغاني الشّعبيّة، الّتي جاءت في مكانها الصّحيح دون اقحام؛ لتؤدّي دورها ولتعكس الثّقافة الشْعبيّة لتلك المرحلة. ولا يغيب عن ذهن القارئ للرّواية سعة ثقافة الكاتب الأدبيّة. ولم يفت الكاتب أن يصف ما تعرّض له الأهالي من مذابح، ومعاناة من هُجّروا من ديارهم حيث جاعوا وعطشوا وتعرّضوا للقتل وللجوع وللعطش، وهم في طريقهم الطويلة إلى دول الجوار على أيدي الجنود وقطّاع الطّرق، وكذلك من" تسلّلوا" عائدين لديارهم للإقامة فيها أو لأخذ ما خفّ حمله وغلا ثمنه من ممتلكاتهم. كما ذكر نماذج للعائلات والأُسر الّتي تشتّت شملها، فهناك من لجأ إلى سورية أو لبنان أو ما عُرف لاحقا بالضّفّة الغربيّة تاركين زوجاتهم أو أولادهم وأخوانهم وأخواتهم خلفهم أو العكس، ومنهم من قُتل أو أصيب بجروح، ومنهم من قّبض عليه وتعرّض للتّعذيب والإبعاد إلى خارج الحدود الجديدة. وهناك معاناة من بقوا في ديارهم، فقد عاشوا حالة رعب شديد، وعانوا في الحصول على بطاقة الهويّة الّتي تسمح لهم بالإقامة في ديارهم حسب القوانين الجديدة، كما صودرت أراضيهم وحرموا من العمل خارج حدود قراهم أو مدنهم دون تصريح من الحاكم العسكريّ، حيث امتدّ الحكم العسكريّ من عام عام ١٩٤٨ وحتّى العام ١٩٦٦م. والكاتب الّذي عاش هذه المعاناة منذ طفولته كما عاشها من بقي في دياره من أبناء شعبه، لا ينسى تبيان دور من تساقطوا وتذيّلوا للدّولة الجديدة مقابل امتيازات ضئيلة، كمساعدة البعض في الحصول على بطاقة هويّة أو تصريح عمل مقابل رشوة. المكان: ورد في الرّواية عشرات الأمكنة من مدن وقرى امتدّت من صفد إلى عكّا إلى حيفا إلى شفا عمرو إلى النّاصرة ويافا وما بين هذه المدن من قرى، وإن كان تركيز الأحداث في عكّا أكثر من غيرها. شخصيّات الرّواية: ورد في الرّواية مئات الشّخصيّات، لكنّ البطل الرّئيس فيها هو فارس. ويحسب للكاتب أنّه استطاع السّيطرة على عشرات الأماكن وعشرات الشّخصيّات ومئات الحكايات الّتي تخدم النًص، وربطها بخيط شفيف لتخدم الهدف المنشود في الرّواية. الأسلوب والّلغة: معروف أنّ الأديب محمّد علي طه أديب كبير، متمكّن من فنّ القصّ والرّواية وغيرها من الأصناف الأدبيّة، وهو مدرسة وقدوة تقتدى في هذا المجال، ولغته أدبيّة جميلة، اعتمد في روايته على اللغة الفصحى الّتي تعجّ بالبلاغة الّتي طعّمها بالعديد من الأمثال والأقوال الشْعبيّة الّتي جاءت في مكانها الصّحيح، وجاء أسلوبه انسيابيّ يطغى عليه عنصر التّشويق. وماذا بعد؟ نحن أمام رواية تشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة بشكل خاص، والعربيّة بشكل عامّ، وهذه العجالة لا تغني مطلقا عن قراءتها. ٧-١٠-٢٠٢٥

البوابة 24