كشف تحليل استخباري إسرائيلي حديث أن الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر لم يكن عملاً محليًا عشوائيًا كما روّجت بعض الجهات في البداية، بل جزء من إستراتيجية إقليمية واسعة النطاق تقودها إيران تحت ما يعرف بمبدأ "وحدة الساحات".
ووفقًا للتقرير الصادر عن معهد "ألما" الإسرائيلي ونشرته صحيفة معاريف العبرية، فقد تم تنسيق مسبق بين وكلاء إيران في كل من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، بمشاركة جزئية من حزب الله في مراحل التخطيط وتخصيص الموارد اللازمة للهجوم.
إيران تنسق عبر وكلائها
أوضح التحليل أن الهدف الإيراني كان فتح جبهات متعددة ضد إسرائيل في وقت واحد، من خلال تحريك شبكة واسعة من الفصائل التابعة لها، تشمل حماس، حزب الله، الحوثيين، والميليشيات الشيعية.
الوثائق التي استند إليها التقرير تشير إلى اجتماعات سرية واتصالات مستمرة منذ عام 2022، بين قيادات هذه الفصائل بإشراف فيلق القدس الإيراني، تم خلالها وضع تصور شامل لحملة منسّقة تهدف إلى تطويق إسرائيل عسكريًا وسياسيًا.
ورغم أن حزب الله لم يشارك ميدانيًا في هجوم السابع من أكتوبر، إلا أن دوره في التخطيط الإستراتيجي كان محوريًا، في إطار خطة أشمل لتوحيد جبهات الصراع تحت القيادة الإيرانية.
وحدة الساحات
تجلت ملامح هذه الإستراتيجية بشكل واضح خلال يوم القدس الإيراني في أبريل 2023، حيث بثت طهران مقاطع دعائية تظهر تنسيقًا عملياتيًا بين مختلف القوى الموالية لإيران، مع رسائل مباشرة تتوعد إسرائيل بحربٍ شاملة.
لكن جذور الفكرة تعود إلى عام 2022، حين أعلنت حماس انتقالها من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم المبادر، وعقدت لقاءات سرية مع حسن نصر الله بوساطة قادة من فيلق القدس، لعرض خطة إستراتيجية متكاملة على المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
وفي صيف العام ذاته، صعد حزب الله لهجته عقب أزمة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، حيث أطلق طائرات مسيرة باتجاه حقل كاريش، ونشر وحدات من قوات الرضوان على طول الحدود الشمالية، في مؤشر على التحضير لجولة إقليمية جديدة من الصراع.
تحركات ميدانية مشبوهة قبل الهجوم
يؤكد التحليل أن التحضيرات الميدانية بدأت تتسارع مطلع عام 2023، إذ تم تسجيل هجوم بعبوة ناسفة في منطقة مجدو خلال شهر مارس، نفذ بواسطة عنصر تسلل من لبنان يُعتقد أنه تحرك بموافقة حزب الله.
وفي أبريل من العام نفسه، أطلقت حماس عشرات الصواريخ من جنوب لبنان وسوريا بالتزامن مع عطلة عيد الفصح اليهودي، في تصعيد غير مسبوق.
وبعدها بأسابيع، عقد اجتماع ثلاثي في بيروت ضم حسن نصر الله وإسماعيل هنية وصالح العاروري، خرجت منه رسالة موحدة تؤكد أن العمليات في مختلف الجبهات تمثل حملة واحدة ضمن خطة إقليمية متكاملة.
طهران تعلن الهدف بوضوح
من جانبها، لم تخفي إيران نواياها، إذ صرح قادة الحرس الثوري أكثر من مرة بأن الهدف النهائي ليس مجرد إطلاق صواريخ أو تنفيذ عمليات محدودة، بل التحضير لغزو بري شامل يهدف إلى كسر التفوق الإسرائيلي.
وساهمت الحملة الإعلامية الضخمة التي رافقت فعاليات يوم القدس العالمي، إلى جانب بث تدريبات على اختطاف جنود إسرائيليين، في تأكيد أن طهران تسعى فعليًا إلى توحيد فصائلها الميدانية في معركة واحدة ضد إسرائيل.
هجوم حماس
ورغم كل المؤشرات الميدانية التي سبقت هجوم 7 أكتوبر، إلا أن غياب المشاركة المباشرة لحزب الله ما زال يثير تساؤلات حول أسباب ذلك الانسحاب في اللحظة الأخيرة، ما إذا كان تغييرًا في الخطة أو خطأً في التوقيت، أو ربما قرارًا إستراتيجيًا من طهران لتأجيل المواجهة الكبرى.
لكن المعطيات التي كشفها التحليل الاستخباري تشير بوضوح إلى أن الهجوم لم يكن مبادرة مستقلة من حماس، بل جزءًا من منظومة عسكرية إقليمية متكاملة، صممت بدقة في طهران وجرى تنفيذها على مراحل، في محاولة لجعل الشرق الأوسط بأكمله ساحة مواجهة واحدة ضد إسرائيل.