غزة/ البوابة 24 - نيفين اسليم
مع اقتراب فصل الشتاء، يعيش آلاف النازحين في قطاع غزة قلقًا مضاعفًا. المأوى الهش الذي احتموا به بعد الحرب لا يقاوم بردًا ولا مطرًا، وخيامهم المصنوعة من الأقمشة والنايلون لا توفر الحد الأدنى من الحماية. الكثير من العائلات تفتقر إلى مواد التدفئة الأساسية، ما يزيد من خطر المرض والمعاناة اليومية.
ستائر بدل الخيام
تجلس السيدة ناهد سعد، "أم أحمد"، نازحة من رفح قرب خيمتها التي صنعتها بيديها من ستائر منزلها القديم، تحاول ترتيب الأقمشة الممزقة وتقول بصوت متعب: "نزحتُ من رفح، وما ترينه أمامك ليس خيمة، بل ستائر وملاءات علّقتها بيديّ لأستر بها أطفالي. انتهت الحرب، وذهب ابني ليتفقد بيتنا، فوجده مدمَّرًا. فأين نعود؟ لقد تعبنا من الترحال، ومن المطر، ومن البرد، ومن الوعود الكاذبة. كل ما نريده سقف يؤوينا ولقمة نعيش منها، لا أكثر.
في الليل، يبلل المطر فراشنا، والهواء يقتحم الخيمة من كل جانب. لا نوم ولا دفء، والأطفال يستيقظون مذعورين مع كل هبة ريح. نحرق ما نجده من بقايا خشب لنطهو قليلاً من الطعام، ونخشى أن تنفد ما تبقى من المساعدات. لا خصوصية، لا راحة، ولا أمان. نعيش يومنا بيومنا، ننتظر الفرج ولا نعلم من أين يأتي."
الشتاء ضيف ثقيل
على مسافة ليست بعيدة، تجلس أم يوسف حمد أمام خيمتها القديمة التي نصبتها منذ شهور، تراقب الغيوم المتلبدة وتقول: "منذ أن نزحتُ من المناطق الشرقية لمحافظة خانيونس، نصبت خيمتي القديمة، وكان الجو صيفًا ولم أكن متأثرة، لكن اليوم الجو بارد والمطر يقترب. توجهتُ إلى المندوبين وأصحاب المؤسسات طلبًا للمساعدة، لكن دون جدوى، لم يردّ أحد."
تحاول أم يوسف إغلاق أطراف خيمتها بقطع من القماش الإضافي ونايلون شفاف، لكنها تدرك أن المطر لا يستأذن أحدًا. كانت الشمس صديقتها في الصيف، أما اليوم فقد صار البرد عدوها، ولا تملك سوى الانتظار والخوف.
تضيف بصوت يختلط فيه التعب باليأس: "كل يوم أنتظر الفرج، لكن البرد يزداد، والخيمة لا تحمينا، وأشعر بالعجز أمام قسوة هذا الشتاء على أولادي."
عريشة من جريد النخيل
أما على شاطئ البحر، فالمشهد أشد قسوة. يعيش يوسف زنون، "أبو خالد"، مع عائلته تحت عريشة من جريد النخيل، ويقول بصوت واهن من التعب: "قمتُ بصنع هذه العريشة من جريد النخيل لأن الجو كان صيفًا، ولم أمتلك خيمة، وأنا مصاب في رجلي ولدي بلاتين منذ ثلاثة أشهر. كنت أذهب إلى منطقة المساعدات الإنسانية في 'الطينة' لتوفير لقمة العيش وبيع بعض المواد الغذائية للتعايش مع الأزمة، ولكن الآن جاء الشتاء، ولا منزل ولا عمل ولا خيمة."
ويصف قائلاً: يتحرك جريد النخيل مع الريح كأنه يئن، والبحر الذي كان مصدر حياة صار جدارًا من البرد والملح، حتى الموج لم يعد يحمل سوى الحكايات التي لم تجد من يسمعها.
يضيف أبو خالد: "كنت أذهب لمنطقة الطينة لتوفير لقمة العيش، اليوم لا عمل ولا خيمة. البحر صار جدار، والبرد صار عدوي."
أرقام تتحدث
وكشف تحليل أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أن حوالي 193 ألف مبنى في غزة تعرض للدمار أو الأضرار، بما في ذلك 213 مستشفى و1029 مدرسة. وبحسب منظمة الصحة العالمية، لم يتبقَ سوى 14 مستشفى تعمل جزئيًا من أصل 36، فيما تكافح المستشفيات في جنوب القطاع لمواكبة الأعباء المتزايدة.
أما مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فقد عبّرت عن قلق بالغ إزاء حجم الدمار في مدينة غزة، واعتبرت أن أي محاولة متعمدة لنقل السكان قد ترقى إلى "تطهير عرقي". ومنذ أن وسّعت إسرائيل حملتها العسكرية على المدينة في منتصف أغسطس، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 417 ألف حالة نزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، ما فاقم الأزمة الإنسانية وأثقل كاهل المناطق المستقبِلة.
أزمة مزدوجة: البرد والفقدان
النازحات مثل ناهد وأم يوسف يواجهن يوميًا تحديات مركبة: فقدان منزل آمن، ونقص الدعم الكافي من المؤسسات الإنسانية. المطر القادم لن ينتظر أحدًا، والخيام البدائية لا تحمي سوى من الريح الخفيفة. وبينما يواصل الأطفال اللعب في الطين، يظل البالغون في حالة انتظار وخوف دائمين.
النازحون في غزة يعيشون أزمة إنسانية مركبة، تجمع بين فقدان المأوى، ونقص المواد الأساسية، وانهيار البنية التحتية، ومواجهة الشتاء القاسي. ورغم ذلك، يواصلون الصمود، محاولين حماية أطفالهم بما توفر لديهم من إمكانيات محدودة.
تسليط الضوء على قصص مثل ناهد، أم يوسف، وأبو خالد، إلى جانب الأرقام الصادمة عن حجم الدمار والنزوح، يؤكد الحاجة الملحة لتدخل عاجل من المجتمع الدولي والمؤسسات المحلية لتوفير خيام مقاومة للمطر، مواد تدفئة، ورعاية صحية ونفسية، لضمان حقهم في الأمن والكرامة.
