بقلم المحامي علي أبو حبلة
في تطور خطير يعكس الانزلاق المتسارع نحو الفاشية في المجتمع السياسي الإسرائيلي، يدفع وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير نحو إقرار قانون يشرّع عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، في خطوة تمثل ذروة الانتهاك للقانون الدولي الإنساني ومبادئ العدالة العالمية، وتكشف عن نية مبيّتة لتحويل الكنيست إلى أداة لتقنين القتل الجماعي ضد الشعب الفلسطيني. ولم يكتفِ بن غفير بالدفع بهذا القانون داخل أروقة الكنيست، بل أصدر مؤخرًا تعليمات مباشرة للشرطة الإسرائيلية بإطلاق النار على كل فلسطيني يحاول دخول القدس أو أراضي الداخل للعمل دون تصريح، كما أعلن عن إعداد سجن خاص للمخالفين، في مشهد يجسد نهج “شريعة الغاب” التي يسعى لترسيخها في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بمساندة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يشارك في النهج ذاته من التحريض والتطرف.
من التشريع إلى التنفيذ: قتل بغطاء قانوني إنّ مشروع قانون الإعدام للأسرى الذي يدفع به بن غفير ليس جديداً من حيث الفكرة، لكنه يأتي اليوم في سياق سياسي مشحون بالحرب والدمار في غزة، ومحاولات حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تحويل الغضب الشعبي الإسرائيلي إلى وقود يدعم سياساتها اليمينية القائمة على الكراهية والانتقام. هذا القانون، إن أُقِرّ، سيُشكّل سابقة خطيرة في تاريخ الكيان الإسرائيلي، لأنه ينقل أدوات القمع من العمل الميداني غير القانوني إلى الإطار التشريعي الرسمي، ما يعني تقنين الإعدامات الميدانية تحت ذريعة "الأمن القومي"، وتحويل القضاء الإسرائيلي إلى ذراع تنفيذية لسياسات بن غفير وسموتريتش، بعيداً عن أي التزام بالقانون الدولي أو اتفاقيات جنيف.
ربط الأوامر الميدانية بالتصعيد التشريعي تعليمات بن غفير بإطلاق النار على العمال الفلسطينيين ليست سوى ترجمة عملية لجوهر قانون الإعدام المقترح. فكلا الإجراءين ينبعان من عقلية واحدة ترى في الفلسطيني “عدواً وجودياً”، لا إنساناً يملك حق الحياة والكرامة. إنّ ربط المسارين التشريعي والميداني يوضح أن ما يجري ليس مجرد تطرف سياسي، بل سياسة دولة تسعى لتطبيع الجريمة وتحويلها إلى ممارسة مؤسساتية. فحين تُمنح الشرطة الضوء الأخضر لإطلاق النار على مدنيين عُزّل، وتُناقش الكنيست تشريع الإعدام للأسرى، يصبح القتل فعلاً مشروعاً ومحمياً بالقانون — وهذه هي "شريعة الغاب" التي يحاول بن غفير وسموتريتش فرضها على الأرض الفلسطينية.
تقويض منظومة العدالة الدولية إن تمرير هذا القانون سيضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع المحكمة الجنائية الدولية ومعظم الهيئات الحقوقية العالمية، إذ أن عقوبة الإعدام بحق الأسرى تخالف اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، التي تضمن حماية أسرى الحرب من أي شكل من أشكال الانتقام أو المعاملة القاسية أو القتل. كما أن أوامر إطلاق النار على المدنيين تشكل جريمة حرب مكتملة الأركان وفق المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، يمر كل هذا تحت أنظار العالم وصمته، في ظل غياب أي مساءلة حقيقية أو ضغط دولي رادع.
البعد السياسي والأيديولوجي بن غفير وسموتريتش ليسا مجرد وزيريْن في حكومة يمينية؛ بل يمثلان التيار الصهيوني الديني المتطرف الذي يسعى لتحويل “يهودية الدولة” إلى نظام فصل عنصري معلن. كلاهما ينادي علناً بترحيل الفلسطينيين من الضفة والقدس، ويعمل على خلق منظومة تشريعية وأمنية تُقصي الفلسطيني وتُشرعن قتله وتهجيره. إن ما نشهده اليوم هو انتقال إسرائيل من مرحلة "الاحتلال المقنّع" إلى مرحلة "الاستعمار الدموي المعلن"، حيث يجتمع السلاح والقانون لخدمة أيديولوجيا التفوق العنصري.
العالم بين الصمت والتواطؤ رغم وضوح الجريمة، فإن المجتمع الدولي يقف عاجزاً — بل متواطئاً — أمام ما يجري. فصمت الأمم المتحدة، وتردد الاتحاد الأوروبي، وتبرير الولايات المتحدة تحت عنوان “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، كلها عوامل تشجع بن غفير ونتنياهو على المضي قدماً في سياسة القمع المقنن. إن هذا الصمت لا يعني فقط فشل المنظومة الحقوقية الدولية، بل يؤكد أن العدالة أصبحت رهينة المصالح السياسية، وأن الدم الفلسطيني بات أرخص من أن يثير ضمير العالم.
الخلاصة ما يقوم به بن غفير وسموتريتش اليوم هو تأسيس لمرحلة جديدة من الفاشية الإسرائيلية، تقوم على تشريع القتل وإلغاء الآخر، في خرق صريح لكل الأعراف الإنسانية والقانونية. إن مواجهة هذه "شريعة الغاب" لا تكون ببيانات الإدانة، بل بتفعيل أدوات القانون الدولي، وتحريك المساءلة أمام المحكمة الجنائية، وبتوحيد الصف الوطني الفلسطيني لمواجهة مشروع الإبادة الذي يُنفذ تحت غطاء القانون والبرلمان.
