تعيش الضفة الغربية هذه الأيام فصلاً جديدًا من أشكال الصراع، ليس بالسلاح أو القصف، بل بالمعاول والجرافات التي تستهدف رمز الأرض الفلسطينية شجرة الزيتون.
فقد أصدرت السلطات الإسرائيلية، صباح الاثنين، قرارًا عسكريًا يقضي باقتلاع آلاف أشجار الزيتون من أراضي قريتي راس كركر وكفر نعمة الواقعتين غرب مدينة رام الله، بزعم "استخدام الأراضي لأغراض عسكرية".
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإن القرار يشمل مناطق الوجه الغربي وجبل الريسن في راس كركر، ومنطقة العوريد في كفر نعمة، وتبلغ المساحة المستهدفة نحو 15 دونمًا، مما يعني تدمير مصدر رزق لعشرات العائلات الفلسطينية التي تعتمد على الزيتون كمصدر دخل رئيسي منذ أجيال.
هجمات متكررة أثناء موسم القطاف
الهجوم على أشجار الزيتون ليس حادثة فردية، بل جزء من حملة منظمة تستهدف المزارعين خلال موسم القطاف، ووفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد تعرضت 27 قرية في الضفة الغربية لهجمات المستوطنين خلال أسبوع واحد فقط، من 7 إلى 13 أكتوبر الماضي، حيث أُحرقت الأشجار، وسرقت المحاصيل، وتعرض المزارعون للاعتداءات الجسدية.
وأدان مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أجيت سانغاي، هذه الانتهاكات، مؤكدًا أنها "هجمات خطيرة" تعكس مستوى غير مسبوق من إفلات المعتدين من العقاب، في ظل غياب أي محاسبة فعلية للمستوطنين أو للجهات التي تحميهم.
آلاف الاعتداءات خلال عامين
منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023 وحتى نوفمبر 2025، رصدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية ما يقرب من 7154 اعتداء نفذها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية.
أدت هذه الاعتداءات إلى اقتلاع وتدمير أكثر من 48 ألف شجرة، من بينها 37 ألف شجرة زيتون وحدها، في مشهد يهدف إلى طمس الوجود الفلسطيني وإضعاف ارتباطه بالأرض.
ويؤكد ناشطون أن استهداف الزيتون ليس مجرد اعتداء اقتصادي، بل ضربة رمزية للهوية الفلسطينية، فهذه الشجرة التي تمتد جذورها في الأرض منذ آلاف السنين تمثل رمزًا للصمود والانتماء والوطن.
أرض الزيتون والمستوطنات
تضم الضفة الغربية وفق التعداد الزراعي لعام 2021 أكثر من ثمانية ملايين شجرة زيتون يعتني بها نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.
لكن هذه الثروة الطبيعية تتعرض لتآكل متسارع بسبب التوسع الاستيطاني، إذ يعيش في الضفة حاليًا نحو نصف مليون مستوطن إسرائيلي موزعين على عشرات المستوطنات التي تعتبرها الأمم المتحدة ومعظم دول العالم غير قانونية.
ويشير خبراء إلى أن سياسات الاحتلال الزراعية لا تستهدف فقط الأراضي، بل تسعى إلى تفريغ الريف الفلسطيني من سكانه وتحويله إلى مناطق عسكرية أو مغلقة، وهو ما يعزز السيطرة الإسرائيلية على مساحات جديدة من الضفة كل عام.
