صباح بشير:
عن دار سهيل عيساوي للطّباعة والنّشر، صدر كتاب "قراءات ومراجعات - نظرات في التّجربة الأدبيّة"؛ للأديب ناجي ظاهر، وهو مؤلَّف ضخم، يقع في أربع مئة وأربع وعشرين صفحة من القطع الكبير، مقدّما مادّة ثريّة، تكشف عن رحلة شخصيّة وفكريّة عميقة في عالم الأدب. يستهلّ ظاهر كتابه بالاعتراف بأنّه لا يملّ من مصاحبة الكتاب، مؤّكدا أنّ القراءة النّوعيّة تمثّل منهلا للحياة، وتجلّيا للتّجربة الإنسانيّة. وفي سياق هذا الشّغف المتجذّر بالمطالعة منذ نعومة أظفاره، يتضمّن الكتاب سردا سِيَريّا ومذكّرات شخصيّة ومقالات متنوّعة، تجاورها آراء الكاتب ووجهات نظره في مجموعة من القضايا الجوهريّة، الّتي تمسّ المجتمع والمشهد الثّقافيّ. يتناول ظواهر مختلفة في نقد ثقافيّ جريء، يعالج التّحدّيات الرّاهنة ويقف عند محطّات متعدّدة للتّحليل الأدبيّ، كما يتطرّق إلى قضايا الفنّ التّشكيليّ، ويبحث في إشكاليّة التّخييل الأدبيّ، وسبل تشييد العمل السّرديّ ذي القيمة. يسلّط الضّوء على نموذج المحرّر الأدبيّ النّاجح، الّذي يراه قامة مثقّفة، قادرة على اكتشاف المواهب الجديرة بالنّشر. ومن هذا المنطلق، يلزمه التّحلّي بالموضوعيّة المطلقة والنّأي بنفسه عن النّزاعات الشّخصيّة، جاعلا قيمة النّصّ هي الأوّلويّة لقبول النّشر.
وعلى النّقيض من ذلك، يحذّر من المحرّر الرّديء الّذي يفتقر إلى الثّقافة، ويتّخذ موقف المنازع والمعادي، فيدمّر بذلك الثّقة بين القارئ والمنصّة الإعلاميّة. على صعيد متّصل، ينتقد إغراق الأدب الحديث في التّعقيد والغموض؛ إذ يرى فيه ألغازا منفّرة تقضي على رسالته الجوهريّة. من ثَمّ، يعرض مأزق الكاتب العربيّ المضطرّ لتمويل نشره لقلّة القرّاء، بينما يجد الكاتب الفلسطينيّ نفسه مضطّرا لتوزيع كتبه مجّانا، مكتفيا بمكسب معنويّ. إضافة إلى ذلك، يقرّ ظاهر بتحوّل جذريّ في موقفه تجاه الجوائز الأدبيّة؛ فبعد إيمانه بجدارتها، بات ينفر منها اليوم؛ لغلبة أنصاف الموهوبين وتأثير العلاقات عليها، ما سلبها قيمتها. ويؤكّد أنّ أعظم تقدير هو ما يأتي من القارئ. يشخّص الفترة الحاليّة؛ كـمرحلة سمتها الفوضى الثّقافيّة، تتمثّل في التّحوّل من ثقافة النّخبة إلى الشّعبية، ممّا أدّى إلى تكاثر مدّعي النّقد، وازدياد الكتّاب مقابل ندرة القرّاء، ويتحدّث عن النّقد الذّاتيّ بوصفه مفتاح تقدّم الكاتب، يستنكر فئة تدسّ السّم في نصوصها، منتقدا ظاهرة "الاستكتاب"، الّتي تتحوّل فيها الكتابة إلى إنجاز مطلوب خارجيّ مأجور، إذ يدفع الكاتب لشخص آخر؛ لينتج له نصّا أو كتابا كاملا، ثمّ يعتمده باسمه، مسببا تدليسا على القارئ وعلى السّاحة الأدبيّة بشرائه شهرة زائفة.
وهي ظاهرة متنامية في السّاحة المحلّيّة والعربيّة، حيث غدت الكتابة وسيلة لابتغاء الاعتراف الاجتماعيّ بدلا من القيمة الإبداعيّة. يرى أنّ ذلك يتجلّى أحيانا، في إقدام بعض الكتاب، خاصّة في سنّ متأخرة، على نشر كتبهم وتوزيعها مجّانا بسخاء. بالانتقال إلى التّوثيق الثّقافيّ، يرى ظاهر أنّه مسؤوليّة نبيلة، تقوم على تقديم الحقيقة للأجيال القادمة، الأمر الّذي يستلزم الصّدق والموضوعيّة في النّقل. في سياق مغاير، ينتقد الخلط الدّارج بين جوهر اللّغة وروح الأدب؛ حيث غلا البعض في التّركيز على سلامة اللّغة المعيّاريّة على حساب الجماليّات والإبداع الفنّيّ. لذلك، يؤكّد أنّ اللّغة هي أداة جماليّة في الأدب، وأنّ المحاسبة الحقيقيّة تكون على قدرة الكاتب على الخلق الفنّيّ، لا على خطأ يصحّح، كما يحذّر من أنّ هذا الفهم الخاطئ أضرّ بالحراك الإبداعيّ، وأدّى إلى تصدّر الأكاديميين ومعلّمي اللّغة للمشهد الثّقافيّ؛ بدلا من أهل الأدب. قراءات في مدارس الرّواية العالميّة والعربيّة: يضمّ هذا المؤلَّف فسيفساء معرفيّة متنوعة، تجول بعالميّ الرّواية والشّعر، حيث يتوغّل الكاتب في أسرار الكتابة السّرديّة، مستلهما تجارب "هيمينجواي" و "نجيب محفوظ" وغيرهم، متأمّلا سيّر الأدباء العالميّين والعرب ومآثرهم، يستخلص منهم دروسا في الإبداع وتحدّيات الموهبة الأدبيّة في سياقات متباينة.
يصف الرّوائيّ الإيطاليّ البيرتو مورافيا؛ بأنّه تمثيل حيّ للأديب العصريّ الّذي شحذ موهبته، عابرا كلّ العوائق، مستلهما البناء الفنّيّ لدى دوستويفسكي، والتّحليل النّفسيّ عند جيمس جويس. يبيّن أنّ سرّ غزارة إبداعه، يكمن في الانضباط اليوميّ للكتابة، مؤمنا أنّ الوحيَ يُسعى إليه ولا يُنتَظر، معتمدا على المراجعة المكثّفة. كما يتناول الكاتب التّركيّ أورخان باموق، كاشفا عن فلسفته في صنع الرّواية، مستلهما ثنائيّة الشّاعر الألمانيّ "شيلَّر"، حيث يشدّد باموق على أهمّيّة المعادل الموضوعيّ في النّص، معتبرا إيّاه سرّ الرّواية الأعظم، ويؤكّد أنّ الرّواية هي ثمرة المهارة والبراعة، واستنادا للنّاقد ليون إيدل، يرى أنّ التّجربة هي مبعث قوّة العمل الأدبيّ وبقائه، وأنّ الرّواية تختلف عن المذكّرات؛ بتقديمها عالما متكاملا متخيّلا، يقوم على تطوّر الأحداث، وتتميّز بلغة فنّيّة انزياحيّة متفرّدة، تعبّر عن صوت يحكي حكاية، عكس اللّغة النّثريّة المباشرة للمذكّرات. ثمّ ينتقل بنا إلى الكاتب التّركيّ زولفو ليفانلي، في جولة بروايته "الجزيرة الأخيرة" الّتي تشرح الأنظمة الشموليّة، ويتبع ذلك برواية "الفتى النبيل" لفرانسيس برنيت، ثمّ يخوض في رواية "المدينة المسحورة" لـسيّد قطب، ويبحر في فضاء "ألف ليلة وليلة". تحت عنوان "الكاتب الكسول"، يتحدّث عن الرّوائيّ الطيّب صالح، الّذي يتعمد التّأنّي والصّبر في الكتابة؛ لتغدو كلماته لوحات تنبض بالحياة. وبعد ذكر المصريّ أمين يوسف غراب، يحكي قصّة ميلاد رواية "ذهب مع الرّيح" لمارغريت ميتشل؛ تلك الرّواية الّتي نبعت من حادث ألزمها المنزل عام (1929م)، وقد رأى هذا العمل النّور بعد عشر سنوات؛ ليصبح ظاهرة عالميّة. كما يكشف عن الأسرار الكامنة خلف ميلاد رواية "الشّيخ والبحر" لإرنست هيمنجواي، ففي عام (1950م) لمعت له فكرة صراع الإنسان مع الطّبيعة، ممثلّة بشيخ مكافح، فانزوى في غرفته ليطلق رحلة الكتابة الّتي قام بنشرها عام (1952م)، فحجزت مكانتها بين عيون الأدب، وتوّجت بنيل جائزة نوبل عام (1954).
يتّسع نطاق استعراضه؛ ليشمل كوكبة من الأدباء العالميّين، ساردا إشعاعاتهم وإنجازاتهم، مستخلصا من سِيَرهم دروسا عميقة؛ لينتقل بعد ذلك إلى الرّوائيّ الفلسطينيّ يحيى يخلف، مسلّطا الضّوء على روايته "راكب الرّيح"؛ كقراءة للماضي تلهم مواجهة الحاضر، ثمّ ينعي الرّوائيّ الرّاحل رشاد أبو شاور الّذي كرّس أعماله لسيرته الذّاتيّة ونضال شعبه. ضمن قسم "تجارب في الكتابة الرّوائيّة"، يتحدّث عن كتاب "حياة الكتابة" لعبد الله الزّمّاي، الّذي يجمع تجارب روائيّين عالميّين ويبرز أنّ الكتابة تنبع إمّا من قلق وجوديّ، كما عند يان مارتل، أو من دافع عاطفيّ، يتحوّل إلى سحر الإبداع. يسلّط الضّوء على كتاب "تقنيّات كتابة الرّواية" للأديبة الأمريكيّة نانسي كريس. يرى أنّ كريس تجعل القارئ محور الكتابة، مؤكّدة على ضرورة أن يحدّد الكاتب جمهوره المفترض، وأنّ الوعي بتوقّعات القارئ، يساهم في ابتكار شخصيّات مقنعة وديناميّة.
يتأمّل كاتبنا تجربة الرّوائيّ نجيب محفوظ، الفائز بنوبل، واصفا إيّاه بالمبدع النّموذجيّ، يستجلي أسرار مسيرته اعتمادا على كتاب "نجيب محفوظ يتذكّر" لجمال الغيطاني، و"فعل الإبداع الفنّيّ عند نجيب محفوظ" لعزّت قرني، مشيرا إلى أنّ نشأة محفوظ وتأثّره بالأجواء الوطنيّة كان الدّافع الأوّل لكتاباته، الّتي استهلّها تاريخيّة قبل أن تنزاح إلى الواقعيّة. يستذكر رحيل الأديب الألبانيّ إسماعيل كاداريه، الّذي سلب الأنظار عالميّا بروايته "جنرال البحر الميّت"، ويستعرض منح جائزة نوبل للآداب لعام (2024م) للكاتبة الكورية هان كانج، الفائزة سابقا بجائزة "مان بوكر". وبالتّوجه إلى جوهر العمل السّرديّ، يطرح الكاتب إشكاليّة تفضيل النّمط الرّوائيّ بين المتشعّب؛ كالبوليسيّ والمكثّف النّفسيّ، وبالرّغم من انقسام الآراء، يؤّكد على الرّأي الوسطيّ، مستندا إلى إيدل وأرسطو أنّ القيمة الفنّيّة، تكمن في عمق المعالجة ودقّة الصّياغة، لا في غزارة الأحداث.
في سياق آخر، يصوّر الفرق بين المبدع والمجتهد؛ فالمبدع ينطلق من عمق التّجربة، مركّزا على الجوهر ومحلّقا بالتّخييل؛ ليمنح شخصيّاته الرّوح، وهو ينعم بثقة خلود عمله، تاركا إيّاه سفيرا له. بينما يعتني المجتهد بالشّكل، مقدّما نصّه جامدا، يجهد نفسه في اصطياد الموضوعات الكبيرة؛ استجابة لمطلب الجماهير، وينفق جهده في التّسويق المحموم والظّهور الإعلاميّ. شهادات سِيَرِيّة في الأدب والمجتمع: في الباب الثّاني من الكتاب، يسرد الكاتب تجربته الشّخصيّة لعشر سنوات في تحرير زاوية "قصّة من الحياة"، حيث كان يلتقط جوهر قصص القرّاء الهاتفيّة، ويعيد صياغتها بأسلوب فنّيّ؛ للتّنوير ورفع الوعيّ المجتمعيّ. يروي قصّة تعلّقه بالأديب أبي حيّان التّوحيديّ، الّذي اكتشفه في طفولته، يصف رحلته في البحث عن مؤلّفاته، معجبا بثقافته الموسوعيّة ونقده ورصانة أسلوبه.
ويواصل سرده السِيَريّ، فيحكي عن ذكريات طفولته، حيث شاهد فيلما تاريخيّا عن ثورة العبيد الثّالثة ضدّ الرّومان، يصف اندماجه العاطفيّ بالأحداث، مشيرا إلى أنّ المشهد الأخير، ظلّ ناقشا في ذاكرته قيمة الحرّيّة والتّمرّد على الظّلم. كما يحكي عن الجاحظ، الّذي كان متيّما بالقراءة، ويروي تجربة النّاشر الفلسطينيّ فؤاد دانيال، الّذي سطّر حلما لعشّاق الكتاب وهو منهم، ونجح في إعادة طباعة المئات من روائع الأدب العربيّ والعالميّ، مقدّما إرثا ثقافيّا ضخما قبل توقّف منشوراته. قراءات في الفنّ والفكر: يستعرض محتوى كتاب "النّقد الأدبيّ" للفرنسيّ فابريس تومريل، الّذي يفصّل المدارس النّقديّة كنقد جينيت وبارت، وبحسب تومريل يصنّف النّقد في ثلاثة محاور: نقد الكتّاب، النّقد الصحفيّ، والنّقد الأكاديميّ المتهم بمحاولة تفسير ما لا يفسر، ويشدّد على أنّ النّاقد المتخصّص مسؤول عن إعادة اكتشاف النّصوص، مُبيّنا أنّ النّقد هو السّلاح الأقوى في مواجهة القراءة السّاذجة، رغم تراجع دوره في عصرنا. يلخّص تفشّي سلطة غير المؤهّلين في المجالات الثّقافيّة، مشيرا إلى استغلال مواقعهم في تصفية حسابات شخصيّة، رافضين أعمال كتّاب مرموقين. ويركّز على ضرورة الفصل بين النّصّ والكاتب، معارضا تفسير العمل الأدبيّ كانعكاس لحياة صاحبه، كما حدث مع رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر"، موضّحا أنّ الأدب يقوم على التّخييل، وأنّ ما يبقى من المبدع هو عمله الخالد.
يناقش ركائز التّقدّم في العالم العربّي في كتاب "تأمّلات في العقل المصريّ" للمفكّر طارق حجّي، وسلسلة الكتب الشّهريّة "اقرأ"، الّتي أصدرتها وزارة المعارف المصريّة عام (1943م) بهدف تشجيع القراءة، وقد ضمّت مؤلّفات لأبرز الكتّاب المصريين. ثمّ يحملنا إلى العوالم الأدبيّة والإنسانيّة للأديب الأمريكيّ جاك لندن، الّتي تنتصر للفقراء والمساكين عبر نتاجه، ويذكر الفنّان السّرياليّ، المثير للجدل سلفادور دالي، ويتطرّق إلى كتاب "الرّوحانيّة في الفنّ" للفنّان الرّوسيّ كاندينسكي، وكتاب "المكان في فنّ التّصوير المصريّ الحديث" للدكتور نعيم عطيّة، في أهمّيّة المكان في الفنّ التّشكيليّ. ثمّ يعرّج على مقالة كتبها عن الكاتبة المصريّة "نوال السّعداوي"، الّتي كرّست حياتها لرفع قضيّة المرأة العربيّة والانتصار لها ضدّ الظّلم، دافعة ثمن مواقفها، ومخلّفة إرثا فكريّا ثوريّا. في حضرة الشّعر: في القسم المعنوَن "في حضرة الشّعر"، يؤكّد ظاهر أنّ الإبداع الأصيل يقرّره الذّوق العامّ لا الغرور الشّخصيّ؛ فالثّقة بالنّفس تختلف عن المبالغة في تقدير الذّات، إذ ينبغي على الشّاعر أن لا يغالي في التّباهي أو التّبجّح بنتاجه، أمّا إثبات شاعريّته وقيمته؛ فتقرّرها شهادة الجمهور والنّقاد. وينتقل إلى نقاش جدليّ، يطرح فيه قضيّة قصيدة النّثر وشعر الفيسبوك، معتبرا إيّاهما فشلا وجهلا بالأسس الشّعريّة، هدفهما استجداء تصفيق الجمهور دون إبداع حقيقيّ. يرى أنّ هذه الظّاهرة، قد أساءت للشّعر الأصيل، مؤكّدا أنّ قصيدة النّثر لم تثبت ذاتها بعد، وهي قصيدة هجينة غريبة في أدبنا العربيّ، فالقصيدة العموديّة تقوم على وزن وإيقاع منضبط، بينما تتجرّد قصيدة النّثر من هذا الضّابط الإيقاعيّ، معتمدة على تدفّق الشّعور واللّغة المكثّفة، وهذا الفرق يحمّل مبدعها مسؤوليّة إيجاد جماليّة موازية. وللحقّ.. فإنّ الشّعر العربيّ الأصيل، بعموده المتين وإيقاعاته السّاحرة، هو بنية فنّيّة متكاملة ونظام جماليّ رفيع، وهو فنّ يمتزج فيه الإبداع بالانضباط، يهذّب الذّائقة ويعلي من شأن الموسيقى الدّاخليّة للّغة. من باب الإنصاف، لا ننكر أنّ الشّعر النّثريّ، يتميّز بقدرته على خلق إيقاع داخليّ خاصّ، يقوم على تتابع الأفكار ووقوع الكلمات، لا على التّفعيلات المعتادة، وقد أتاح هذا الشّعر الفرصة للعديد من الأصوات؛ للتّعبير عن نفسها، وهنا.. لا أدّعي أنّه أفضل من الشّعر العموديّ، لكنّه يقدّم نموذجا آخر من التّعبير. بعد ذلك، يتناول الكاتب سِيَر ومآثر شعراء بارزين؛ منهم: جبرا إبراهيم جبرا برثائه الرّقيق لزوجته، وجورج نجيب خليل، وجمال قعوار، ومحمّد إبراهيم أبو سنّة. يسلّط الضّوء على أحمد شوقي؛ كمثال للمزج بين أصالة التّراث العربيّ والتّفاعل المتمرّد مع الأدب الغربيّ، ما جعله شاعرا أصيلا للأمّة وقضاياها.
وبعد.. في ختام هذه الجولة الفكريّة المكثّفة، الّتي قدّمها الأديب ناجي ظاهر، يتّضح أنّ هذا الكتاب هو مشروع وعي، يسعى إلى إيقاظ الحراك الأدبيّ في مواجهة الرّكود والادّعاء، يضع القارئ أمام مسؤوليّة الاختيار بين النّصّ المرتكز على أصالة التّجربة، وبين الكتابة الزّائفة الّتي تسعى لشهرة عابرة أو اعتراف اجتماعيّ. لقد استطاع ظاهر أن يشيّد جسرا بين عبقريّة الماضي وإشكاليّة الحاضر، داعيا إلى مراجعة شاملة لمعايير الإبداع؛ ليظلّ الأدب والفنّ الأصيل هما الميزان الوحيد الّذي لا يميل. إنّ القيمة الحقيقيّة لهذا الكتاب، تكمن في كونه مرجعا أخلاقيّا قبل أن يكون نقديّا؛ فهو يشرح الأعمال الأدبيّة، ويغوص في أخلاقيّات المهنة الثّقافيّة ذاتها، مستحثّا الأدباء والقرّاء والنّقاد، على تبنّي الشّجاعة النّقديّة؛ كأداة لا غنىً عنها، لإبقاء الوهج الإبداعيّ مشتعلا. بهذا التّناول العميق يظلّ هذا المؤلّف النّقديّ؛ للأديب ناجي ظاهر، شهادة مقرونة بالأمانة الفكريّة والصّدق، فقد جاء صوته حارسا لوزن الكلمة، وهو ما جعل من سطوره دليلا على نزاهة قلمه الّذي لا يهاب تعرية زيف المشاهد الأدبيّة العابرة.
