د. روز اليوسف شعبان
الفئران تأكل الحديد قصّة للفتيات والفتيان للكاتب المقدسيّ جميل السلحوت، إصدار دار الهدى أ. عبد زحالقة، 2025، رسومات عامر مغربي، تنسيق آلاء مرتيني. الفئران تأكل الحديد، عنوان لافت، يثير الفضول لدى الفتيات والفتيان، وقد يتساءلون: هل من المعقول أن تأكل الفئران الحديد؟ لماذا اختار الكاتب هذا العنوان، علمًا أنّ الفئران لا تأكل الحديد؟ ماذا قصد الكاتب؟ وغيرها من الأسئلة، ممّا يجعل القارئ متشوّقا لقراءة القصّة. تبدأ القصّة بعتاب يوجّهه التاجر الثريّ شهبندر التجّار لابنه سعيد، الذي يقضي وقته مع أصحاب السوء، وينفق عليهم من أموال والده، فينصحه بالابتعاد عنهم، ويعرب له عن خشيته من ضياع ثروته بعد وفاته، عندها سيبتعد عنه أصدقاؤه ولن يقف إلى جانبه أيّ واحد منهم. توقّع الوالد هذه النهاية لابنه سعيد، لذا أوصاه عندما تضيق في وجهه الدّنيا أن يربط حبلا في منتصف عمود الخشب المنصوب فوق حظيرة الأغنام، وأن يشنق نفسه به، ليتخلّص من حياة الذلّ. بعد وفاة الوالد، أضاع سعيد ثروة والده في القمار والشرب واللهو، فباع الأراضي والعقارات، تخلّى عنه أصدقاؤه وسخروا منه وأهانوه، فقرّر أن ينفّذ وصيّة والده وينتحر. وحين علّق نفسه ودفع الكرسيّ، انكسر العمود، وسقط سعيد أرضًا وآلاف الليرات الذهبيّة تنهال عليه من تجويف العمود، فذهل من ذكاء والده، ومن حرصه على مستقبل ابنه، وخوفه عليه من حياة الذلّ والمهانة؛ فقرّر أن يتوب ويستعيد أملاك والده، ويبتعد عن أصحاب السوء ويذلّهم كما أذلّوه، فتذكّر حين أعطوه درهما؛ ليشتري به زجاجة لبن، وفي الطريق تعثّر وسقط فانكسرت الزجاجة، وقدم كلب ولعق اللبن. سخر أصدقاؤه وقالوا له إنّ الكلب لا يلعق اللبن وضربوه وطردوه وحرموه من الطعام. قرّر سعيد أن يدعو رفاق السوء إلى حفلة شواء، وجعلهم يشمّون رائحة الشّواء عدّة ساعات دون أن يتذوّقوه، ثمّ روى لهم حادثة غريبة زعم أنّها حدثت يوم أمس، حيث اشترى قبل يومين مئة طنّ من الحديد ووضعها في مخزن المتجر، وحين ذهب يوم أمس إلى المتجر وجد الفئران قد أكلت الحديد ولم تُبقِ منه شيئًا. صدّق الرفاق هذه الحكاية وقالوا لا غرابة فيها في هذا الزمان الذي يمكن أن تحدث فيه أمو كثيرة غريبة وخارقة. عندها قال لهم سعيد:" لم تصدّقوا أنّ الكلاب تلحس اللبن، لكنّكم صدّقتم أنّ الفئران تأكل طنًّا من الحديد!؟ ثمّ طلب من الخدم طردهم وإلقاءهم خارج البيت. كتب السلحوت العديد من القصص للفتيات والفتيان منها: الحصاد (2014)، البلاد العجيبة (2014)، أنا من الديار المقدّسة (2020)، مايا (2022)، جبينة والشاطر حسن (2023)، حمروش (2024)، المائق (2024) وغيرها... في رواياته للفتيات والفتيات، يحمل لهم السلحوت رسالة وطنيّة، تثقيفيّة، توعويّة، معزّزًا في نفوسهم حبّ الأرض والوطن، والتمسّك بالجذور والتراث. إلى جانب ذلك فهو يصوّر الفتيان والفتيات، على قدر كبير من المسؤوليّة والذكاء والوعي، يعتمدون على العقل والمنطق في حلّ المشكلات، يمتلكون إرادة قويّة وثقة كبيرة بالنفس، يتسلّحون بالعلم والمعرفة والقيم. وفي تصوّري أنّ الكاتب أراد من الناس كافّة في مجتمعه وبلاده، النظر إلى الفتيات والفتيان بهذه النظرة الّتي صوّرهم فيها، كما يريد من الفتيات والفتيات أن يثقوا بقدراتهم وفي ذلك تحقيق لمقولة مانديلا:" كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم. ومقولة الشاعر والفيلسوف الألماني غوته:" عامل الإنسان كما لو كان ما ينبغي أن يكون، وسيساعدك أن يصبح ما يمكن أن يكونه". إلى جانب ذلك، فإنّ السلحوت يحمل رسالة أيضًا للآباء، في كيفيّة التّعامل مع أبنائهم وتقديم النّصح والإرشاد لهم، دون استعمال العنف في تربيتهم، وهذه رسالة تربويّة هامّة. وعودة إلى قصّة الفئران تأكل الحديد، والتي جعل الكاتب فيها، الشّابّ سعيد يخوض تجربة الضلال، فيؤذى، عندها يتذكّر نصيحة والده، فيتوب، ويقرّر أن ينفّذ وصيّة الوالد بشنق نفسه؛ ليكتشف أنّ والده خبّأ له مفاجأة لم يحلم بها، وخبّأ له آلاف الليرات الذهبيّة. عندها عرف الابن أبعاد وصيّة والده، الذي أراد له أن يستلم هذه الثروة بعد أن يخوض التجربة؛ ليعرف ويكتشف بنفسه من هو الصديق الحقيقيّ، وكيف يجب على الإنسان أن يحافظ على ماله ولا ينفقه عبثا في اللهو والمجون. استقى السلحوت قصّته هذه من الحكاية الشعبيّة " الشهبندر وابنه السفيه" التي شاعت في سوريا والعراق وانتقلت شفهيًّا من جيل إلى جيل. من الجدير ذكره أنّ السلحوت اهتمّ بإحياء الحكايات التراثيّة، بعد أن يصقلها لتتلاءم مع العصر الذي يعيش فيه فتياتنا وفتياننا. كتبت القصّة بلغة سلسة تناسب الفئة العمريّة وبأسلوب شائق، وهي تزخر بالقيّم المهمّة لفتياتنا وفتياننا مثل: الاستماع لنصائح الوالدين والاستفادة من تجربتهما في الحياة، تقدير الوالدين والبرّ بهما، العمل والمثابرة وكسب المال بعرق الجبين، عدم تبذير المال على اللهو والمجون، الابتعاد عن لعب الميسر وشرب المشروبات الروحيّة؛ لما لهما من نتائج سلبيّة على الصحة، وعلى الوضع الاجتماعيّ، والعائليّ والاقتصاديّ، والنفسيّ، الابتعاد عن رفاق السوء، وغيرها من القيم المهمّة.
١٩-١١-٢٠٢٥
