إسرائيل تخسر نفوذها التاريخي في أهم مدن العالم.. ما القصة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 

يزلزل التغيير عمق النفوذ الإسرائيلي التاريخي داخل واحدة من أهم المدن العالمية سياسياً وإعلامياً، حيث تعيش دولة الاحتلال حالة ذعر حقيقي بعد التحولات المتسارعة التي تشهدها مدينة نيويورك، المدينة التي لطالما اعتبرتها تل أبيب أحد أهم معاقلها الرمزية والنفوذية عبر عقود طويلة.

صعود زهران ممداني

وتعيش الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية في إسرائيل، حالة ارتباك حادة عقب بروز اسم زهران ممداني، السياسي التقدمي الذي تحول إلى رمز لصعود جيل جديد يربط بين النضال الفلسطيني والحراك السياسي والاجتماعي داخل الولايات المتحدة.

وعلى الصعيد الإسرائيلي، لم يعد صعود ممداني حدثاً محلياً في نيويورك، بل أصبح بمثابة "زلزال سياسي" يهز شبكة النفوذ التي رسختها إسرائيل داخل الجامعات، وشبكات التمويل، ومراكز صنع القرار.

والجدير بالإشارة أن منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات الطلابية المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، كان ممداني حاضراً في ساحات الجامعات، داعماً للطلاب المعتصمين، مهاجماً إدارات الجامعات التي استدعت قوات الشرطة لقمعهم، ومؤكداً أن الانحياز لإسرائيل بات جزءاً من البنية الأمنية والسياسية داخل الحياة الجامعية الأمريكية.

وجوده في جامعات مثل كولومبيا ونيويورك منح الاحتجاجات زخماً سياسياً غير مسبوق، ونقل القضية الفلسطينية من دائرة النشاط الطلابي إلى فضاء الخطاب المدني العام، في مواجهة مباشرة مع الهيمنة الإسرائيلية داخل المدينة.

مواجهة الشراكات الأكاديمية مع إسرائيل

لم يتوقف ممداني عند الشعارات فقط، بل وجه انتقادات مباشرة للشراكات الأكاديمية التي تربط جامعات نيويورك بمعهد التخنيون الإسرائيلي، معتبراً أن هذه الشراكات تُورّط الجامعات الأمريكية في صناعة الأسلحة والطائرات المسيرة التي تستخدم في قتل الفلسطينيين.

وفي هذا الصدد، تتحدث الصحف الإسرائيلية عما تسميه "اختراقاً خطيراً" في مدينة كانت تعتبر أحد أهم الحواضن السياسية والاقتصادية لإسرائيل. 

ووجهت صحيفة "إسرائيل هيوم"، تحذير من أن شبكات الأعمال اليهودية في نيويورك قد تفقد نفوذها التقليدي، بينما ركزت مراكز الأبحاث الإسرائيلية على أن الخطورة لا تكمن في شخص ممداني وحده، بل في "الجيل" الذي يمثله، وهو جيل جامعي يرفع العلم الفلسطيني داخل كولومبيا ونيويورك، وينتمي لتيارات يسارية تقدمية تهاجم إسرائيل دون تردد، مقابل تراجع تأثير اللوبي الإسرائيلي في مؤسسات المدينة.

نيويورك.. من دعم إسرائيل إلى مركز ضغط مضاد

كما تذهب تحليلات أخرى إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن نيويورك "تتحول من قاعدة دعم لإسرائيل إلى مركز ضغط مضاد".
ومن جهته، قال السفير الإسرائيلي السابق درور إيدار إن صعود ممداني يعكس "أزمة نفوذ حقيقية لإسرائيل داخل الغرب"، مضيفاً أن انتخاب شخصية بهذا القدر من العداء لإسرائيل لم يكن متصوراً قبل سنوات.

وأشار "إيدار"، إلى أن ما يحدث هو نتيجة تحولات اجتماعية وثقافية داخل الجامعات، حيث يزداد الجيل الشاب قرباً من فلسطين، ويتباعد عن الرواية الإسرائيلية بشكل واضح.

"اعتقال نتنياهو" يدخل المعركة

وتجدر الإشارة إلى أن التصريح الذي أدلى به ممداني بأنه قد يصدر أمراً باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا دخل نيويورك، استناداً إلى مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، قد أحدث صدمة واسعة داخل تل أبيب.
دفع ذلك مسؤولين إسرائيليين للتحذير من أن المدينة باتت "غير آمنة سياسياً" للقيادات الإسرائيلية، فيما ذهب بعض السياسيين الإسرائيليين إلى حد مطالبة يهود نيويورك بالهجرة إلى إسرائيل، في مؤشر على عمق القلق داخل الأوساط الإسرائيلية.

تحولات جيلية تغير هوية المدينة

وفي السياق ذاته، ترى إسرائيل أن نيويورك لم تكن مجرد مدينة، بل قاعدة نفوذ سيطرت عليها لعقود عبر الجامعات والإعلام وشبكات التمويل، وأنشأت منها جسراً لإنجاب سياسيين داعمين لها داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
لكن صعود ممداني، بالتزامن مع التحولات الجيلية داخل الجامعات، ساهم في تفكك هذا النفوذ تدريجياً.

وتؤكد تحليلات إسرائيلية، أن ما يجري اليوم قد يكون بداية تآكل الدعم الأمريكي التقليدي لإسرائيل على المدى المتوسط، فصعود ممداني لا يعد مجرد انتصار فردي، بل يمثل عودة فلسطين إلى قلب المشهد السياسي في مدينة بقيت لعقود تحت سطوة النفوذ الإسرائيلي.

كما ترى تل أبيب أنها تواجه جيلاً جديداً لا يخشى مواجهة النفوذ الإسرائيلي، ولا يخضع لسطوة اللوبيات، ويرى في فلسطين جزءاً من معركته ضد الظلم داخل بلده، إنه تغيير عميق في هوية نيويورك السياسية، وهو التغيير الذي تخشاه إسرائيل بشدة.

روسيا اليوم