غزة/ البوابة 24- رائد كحيل
في ظلّ الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون، يظلّ الفن شاهدًا حيًا على المعاناة والاقتلاع، ووسيلة للحفاظ على الذاكرة الجمعية التي لا يمكن محوها. الفنان التشكيلي خالد حسين من مدينة رفح واحد من أولئك الذين فقدوا بيوتهم وأعمالهم، لكنه لم يفقد القدرة على تحويل الألم إلى إبداع. وفي هذا التقرير يتحدث بصوته عن علاقته بالطين، وكيف أصبح الفن بالنسبة له شهادة على الجوع والخوف والخذلان، وفي الوقت نفسه فعل مقاومة وصمود.
يقول الفنان خالد حسين: "أنا من مدينة رفح. هُدم منزلي وفقدتُ كل أعمالي الفنية التي أنجزتها على مدار سنوات طويلة. نزحتُ إلى المحافظة الوسطى، وتحديدًا دير البلح، وهناك حاولت أن أبدأ من جديد رغم الخسارة الفادحة. لجأت إلى النحت في الطين لما له من تأثير بصري قوي على الفنان والمتلقي، ولأنه يتيح مساحة للتفاعل بين العمل الفني والجمهور".
ويتابع: "الطين بالنسبة لي ليس مجرد مادة، بل شاهد حيّ يلتقط الوجوه ويكشف ملامح التجويع والخوف والفقر والخذلان. العلامات التي تظهر على وجوه المنحوتات تتحول إلى ذاكرة وشهادة في مواجهة العنف والموت واقتلاع الفلسطيني من أرضه".

ويضيف: "الأعمال التي أنتجتها من الطين تُظهر ملامح الجوع والخوف التي مرّ بها الإنسان الفلسطيني. هذه الملامح تظهر وحدها دون أن أفرضها، لأن الطين مادة حيّة تشعر بأصحاب الأرض وتتحدث بلغتهم. عندما ألمس الطين أشعر أنه يروي قصة الناس، يخرج من داخله وجوههم ومعاناتهم، وكأنه يصرّ على أن يبقى شاهدًا على ما يحدث".
ومن هذا المنطلق، تؤكد تجربة خالد حسين أن الفن الفلسطيني ليس ترفًا ولا ممارسة جمالية منفصلة عن الواقع، بل هو فعل مقاومة وذاكرة حية. الطين في يديه يتحول إلى وثيقة بصرية تحفظ ملامح الجوع والخوف، وتعيد رسم صورة الإنسان الفلسطيني في مواجهة الاقتلاع والموت. ورغم فقدان بيته وأعماله، يظلّ خالد حسين نموذجًا للفنان الذي ينهض من تحت الركام ليصنع من الطين شهادة على الصمود، ويثبت أن الفن قادر على أن يكون ذاكرة الأرض والإنسان.
وفي السياق نفسه، لا تقتصر آثار الحرب على تدمير التراث الثقافي، بل تمتدّ لتطال الإنسان الفلسطيني نفسه؛ إذ بلغ عدد الشهداء نحو 67 ألفًا، فيما تجاوز عدد الجرحى 169 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال. ومع تفاقم المجاعة التي حصدت أرواح المئات، بينهم عشرات الأطفال، تتصاعد المخاوف محليًا ودوليًا من أن تفقد غزة جزءًا كبيرًا من إرثها الثقافي، وأن تتحول من رمز حضاري إلى مدينة من الركام، في ظل استمرار استهداف كل ما يجسد الوجود الفلسطيني.

