تمكن علماء آثار مصريون وفرنسيون بعد أكثر من مئة عام من الحيرة والبحث، من فك لغز قبر فرعوني غامض بالقرب من مدينة تانيس شمال شرق دلتا النيل، لطالما شك الخبراء في أن هذا القبر يعود لشخصية مهمة للغاية لكن تحديد هويته ظل لغزًا حتى الآن، لتكشف الاكتشافات الحديثة عن الفرعون شيشونق، أحد أبرز حكام مصر القديمة.
تقع تانيس بالقرب من هضبة الجيزة الشهيرة، وكانت قديماً تعرف باسم "صوعن" في التوراة، وعرفت عاصمةً للبلاد بين القرن الحادي عشر والسابع قبل الميلاد، لكنها لم تحظَ بالاهتمام العلمي والسياحي الكبير مقارنة بوادي الملوك.
رحلة الاكتشاف
في عام 1939، اكتشف عالم المصريات الفرنسي بيير مونتيه مقبرة ملكية قرب تانيس، وتم التعرف على معظم المدافن، باستثناء مدفن واحد ظل غامضًا، وتضمنت صعوبات التنقيب الحفر عبر طبقات سميكة من الطمي، وصعوبة تفسير النقوش الهيروغليفية لتحديد هوية المدفون.

الأمر الأكثر غموضًا أن التابوت وجد داخل مقبرة ملك آخر، أوسوركون الثاني، ما أثار تساؤلات العلماء لفترة طويلة، وبمحض الصدفة أثناء أعمال تنظيف روتينية، اكتشف فريق دولي من علماء مصر وفرنسا نقشًا واضحًا باسم "شيشونق" إلى جانب مخبأ يحتوي على أكثر من 200 تمثال أوشبتي مزخرف بمهارة فائقة يؤكد مكانة صاحب التابوت وأهميته التاريخية.
أوشبتي وتأكيد هوية شيشونق
تماثيل الأوشبتي، وهي تماثيل صغيرة تشبه المومياوات، كانت تُدفن مع الميت لتأدية مهامه في الحياة الآخرة، أما في قبر شيشونق، فقد وجد عدد هائل من الأوشبتي من مادة القيشاني المزخرفة، ما يدل على ثروة الفرعون ونفوذه الكبير.
يرى فريديريك بايرودو، مدير البعثة الفرنسية، أن هذا الاكتشاف يعد إنجازًا كبيرًا، حيث تثبت قطع الأوشبتي مع النقوش الموجودة على شاهد القبر بشكل قاطع هوية شيشونق.
التابوت في مقبرة حاكم آخر
وجود تابوت شيشونق داخل قبر آخر يرجع إلى سياسة الحماية من النهب، حيث كان الكهنة ينقلون المومياوات والمقتنيات الملكية إلى مقابر آمنة لمنع سرقتها، وكانت هذه الممارسة شائعة أيضًا في وادي الملوك، كما في سرداب أمنحتب الثاني الذي ضم مقابر أحفاده.

يعتقد أن شيشونق، حفيد أوسوركون الثاني، وضع في مقبرة سلفه لحماية كنوزه من النهب، مع إبقاء التابوت الضخم والمتعلقات الجنائزية مكتملاً لضمان كرامته بعد الوفاة.
شيشونق وعصره
يشير المؤرخ المصري القديم مانيثون إلى أن عهد شيشونق كان فترة مضطربة، حيث أدت أزمة أسرية طويلة الأمد إلى انقسام البلاد إلى معسكرين شمالي وجنوبي، مع ضعف السلطة المركزية وقوة متزايدة للنخب العسكرية.
على الرغم من ذلك، حافظ شيشونق على رباطة جأشه، وركز على حكم دلتا النيل وإدارة إقطاعياته، ما أدى إلى ازدهار مدينة تانيس وتحويلها إلى عاصمة حقيقية تضم قصورًا ومعابد وثروات كبيرة.
وحسب بايرودو، شهدت فترة حكم شيشونق صراعات داخلية مع اثنين على الأقل من أقاربه، ما يفسر جزئياً سبب وضع تابوته في مقبرة حاكم آخر وهو حماية الفرعون من إهانة محتملة بعد موته.
