قنبلة صحية وبيئية: تراكم القمامة يخنق حياة سكان غزة

القمامة في غزة
القمامة في غزة

غزة/ البوابة 24- ميسون كحيل

في غزة، أصبحت القمامة عدوًا يوميًا للسكان، تملأ الشوارع والمنازل بالروائح الكريهة، وتخنق الأطفال وكبار السن على حد سواء. أكثر من عامين على استمرار تراكم النفايات، ومع الحرب والحصار، أصبح التخلص منها شبه مستحيل، مما حول الحياة اليومية إلى معاناة مستمرة بين الأمراض والحشرات والتلوث البيئي.

تصحو أم سهيل من مدينة غزة، من نومها وهي تكاد تلهث من شدة الاختناق، فالروائح الكريهة تتسلل إلى البيت حتى مع إغلاق الشبابيك. الذباب والباعوض يملأ المكان، والدخان الناتج عن حرق القمامة يخنق الرئة قبل أن تصل إلى أنفها. تقول بصوت متعب: "أصبحنا نخاف حتى من التنفس داخل بيتنا، والجلوس في أي غرفة كابوس لا ينتهي".

وتضيف: تحاول الأسرة جمع القمامة في أكياس محكمة وتركها حتى آخر لحظة، لكن تراكمها يفوق طاقاتهم. وفي بعض الأحيان، يتعاون الجيران لنقل القمامة بعيدًا عن الشوارع، لكن كل جهد يبدو غير كافٍ أمام حجم الأزمة.

 المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا، أكد أن منظومة إدارة النفايات في غزة تضررت بشكل كبير منذ بداية الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023، بسبب استهداف الاحتلال للمقرات والآليات، ما أدى إلى تراكم أكثر من 320 ألف طن من القمامة داخل المدينة.

وأوضح مهنا أن نقص الوقود شلّ عمليات الجمع والنقل، ويضيف: "تشمل النفايات اليوم قمامة منزلية ومخلفات صحية وأنقاض مبانٍ ومياه صرف، ما يفاقم خطر التلوث على التربة والمياه والبيئة".

في سياق مماثل، تؤكد الصحفية أنسام القطاع أن تراكم القمامة في غزة أصبح مشكلة مستمرة منذ أكثر من سنتين، وتأثيرها على الصحة والتنفس واضح بشكل كبير، خاصة مع انتشار الذباب والباعوض والحشرات بالقرب من الخيام والمنازل والركام..

تضيف أن القمامة المتراكمة تسهم في زيادة التهابات الجهاز التنفسي وتفاقم الأمراض الصدرية المزمنة، كما أن الروائح الكريهة تعيق النوم وتزيد الأرق لدى السكان. تحاول الأسر حرق القمامة لطرد الحشرات، لكنه حل مؤقت وغير فعال بسبب غياب المعدات والإمكانات.

ويشير المواطن عاطف المشهراوي إلى أن تراكم النفايات في شوارع غزة تسبب بكوارث صحية وبيئية كبيرة، حيث تؤدي الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، ما يفاقم انتشار الأمراض المعوية والجلدية.

ويؤكد أن السكان يحاولون جمع القمامة وتنظيم حملات تنظيف، لكنهم عاجزون بسبب نقص المعدات والقدرة على التعامل مع هذه الأزمة الكبيرة، بالإضافة إلى منع الاحتلال دخول المعدات اللازمة إلى القطاع.

التأثير البيئي لتراكم النفايات

يحذّر الدكتور نزار الوحيدي خبير البيئة ومدير عام الإدارة العامة للتربة والري، من أن تراكم النفايات في غزة يخلّف آثارًا بيئية خطيرة على الهواء والتربة والمياه، بسبب مكبات عشوائية غير محمية داخل المناطق السكنية، تسرّب سوائل سامة وتطلق أبخرة ملوِّثة تنقلها الرياح. ويؤكد أن اختلاط النفايات المنزلية والصحية والصناعية وتحللها، إضافة إلى حرق القمامة، يفاقم انتشار الروائح ومسببات الأمراض، ويؤدي إلى انبعاثات سامة تتسبب بمشاكل تنفسية وأمراض خطيرة، خاصة لدى الأطفال والمرضى.

الكوارث الصحية والجلدية

كما يؤكد الدكتور رائد أبو سرية، استشاري الأمراض الجلدية في الهلال الأحمر، أن تراكم القمامة في غزة خلال الحرب كان عاملاً أساسياً في تفاقم الأمراض الجلدية والطفيلية. ويضيف أن النفايات المكدسة في الشوارع وبين المخيمات خلقت بيئة مثالية لانتشار الحشرات والطفيليات مثل الجرب وحشرات الرأس والجسم، التي يعاينها يوميًا بكثافة.

ويربط أبو سرية ذلك بالاكتظاظ داخل الخيام، حيث يعيش عشرات الأشخاص في مساحة ضيقة، ما يجعل العدوى تنتقل بسرعة، خاصة مع ضعف النظافة العامة الناتج عن شح المياه وقلة مواد التنظيف. يعود الاكتظاظ إلى حصر مليوني نسمة في شريط ضيق، بينما يسيطر الاحتلال على أكثر من 53% من مساحة القطاع. ومع تدمير المنازل بالكامل جراء الحرب، يعيش سكان غزة اليوم في خيم مؤقتة تحولت إلى مأوىً قسري بدل البيت.

كما يوضح أن وجود القمامة بالقرب من أماكن السكن، مع استخدام مياه غير صالحة أو حتى مياه البحر في الاستحمام، أدى إلى زيادة حالات الحساسية الجلدية والإكزيما والتهابات جلدية بكتيرية تنتشر على نطاق واسع في أجساد الأطفال والبالغين. "صحيح أن هذه الأمراض ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر حدة وانتشارًا بسبب الظروف البيئية السيئة وتراكم النفايات"، يقول الطبيب.

المخاطر الصحية العامة

من جهة أخرى، يركّز الدكتور عبدالله أبو سليمان، المختص بالصحة العامة، على الانعكاسات الصحية المباشرة لتراكم القمامة في غزة، موضحًا أنها تحوّل الأحياء السكنية إلى بؤر لانتشار البكتيريا والفيروسات والفطريات، وتؤدي إلى انبعاث غازات مهيّجة للجهاز التنفسي.

ويؤكد أن النفايات المتراكمة تجذب القوارض والحشرات الناقلة للأمراض، ما يرفع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي والتنفس والجلد، ويضاعف المخاطر على الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا الأطفال وكبار السن والحوامل، في ظل الحرق العشوائي للنفايات وما يسببه من آثار صحية خطيرة.

الحلول والتوصيات لمواجهة أزمة النفايات

يرى الدكتور عبدالله أبو سليمان أن الحلول العلمية لمواجهة تراكم النفايات تتطلب جمعها بشكل دوري ووضعها في حاويات محكمة، وفصل النفايات العضوية للاستفادة منها في إنتاج سماد أو غاز حيوي، إلى جانب مكافحة الحشرات والقوارض ومراقبة مياه الشرب. ويؤكد على أهمية تثقيف المجتمع وخصوصًا الأطفال لتعزيز السلوكيات البيئية السليمة، ودعم مبادرات إعادة التدوير والحد من النفايات من المصدر.

و يقترح الخبير البيئي نزار الوحيدي تسييج المكبات ومنع دخول غير العاملين، وفرز النفايات الخطرة، واستخدام المواد العضوية لإنتاج سماد أو غاز حيوي لتقليل الأثر البيئي.

أما المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، فيوضح الإجراءات العملية التي تلجأ إليها البلدية حاليًا للتخفيف من الأزمة، منها عزل النفايات الخطرة، تحويل أرض سوق فراس لمكب مؤقت، وإطلاق حملات توعية مجتمعية لتجنب الحرق العشوائي. ويؤكد على رسالة البلدية للمواطنين بضرورة التعاون عبر فرز النفايات ووضعها في الأماكن المخصصة، وتجنب الحرق، والمشاركة في جهود النظافة المجتمعية قدر الإمكان.

البوابة 24