أفادت صحيفة "الشرق الأوسط"، اليوم السبت، بأن إسرائيل حوّلت ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" الوارد ضمن خريطة الانسحاب من قطاع غزة، والذي يأتي في إطار عملية انسحاب متدحرجة متفق عليها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى ما يشبه "مصيدة للموت"، حيث يتم استهداف وقتل كل من يقترب من هذا الخط، ما أدى إلى تصاعد واضح في الخروق الإسرائيلية لبنود الاتفاق.
وتسجل وزارة الصحة في غزة والجهات المختصة الأخرى، بشكل شبه يومي، مقتل فلسطيني واحد على الأقل عند محيط هذا الخط، سواء في شمال أو جنوب قطاع غزة، بينما تقل الحالات نسبياً في مناطق وسط القطاع، مع تسجيل النسبة الأكبر من الضحايا في المناطق الجنوبية.
مجزرة بني سهيلا
وفي الساعات الـ 24 الماضية بقطاع غزة، منذ ظهر الخميس وحتى الجمعة، قتل أربعة فلسطينيين، من بينهم سيدة، في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس جنوبي القطاع، جراء استهدافات متكررة طالت أشخاصاً حاولوا الوصول إلى منازلهم، في البلدة التي تبعد معظم مناطقها مسافة لا تقل عن 200 متر عن الخط الأصفر المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار.
والجدير بالإشارة أن الطواقم الطبية أو فرق الدفاع المدني أو حتى الجهات الدولية لم تتمكن من انتشال جثامين القتلى الأربعة، لتظل ملقاة في المكان، على غرار حالات سابقة لفلسطينيين قتلوا في فترات سابقة وبقيت جثامينهم في المناطق ذاتها.
ووفقًا لما ذكرته مصادر ميدانية تحدثت لصحيفة "الشرق الأوسط"، فإن القوات الإسرائيلية قتلت المواطنة الفلسطينية، وعندما حاول أحد الشبان انتشال جثمانها، تم قتله على الفور، ثم حاول شابان آخران الوصول إلى الجثتين، فلقيا المصير نفسه.
خط يتحرك وضحايا يتزايدون
ولفتت "المصادر"، إلى أن أعداد الضحايا مرشحة للازدياد بفعل الخروق المستمرة عند الخط الأصفر، الذي تعمدت القوات الإسرائيلية تقديمه لمسافات إضافية، ما يربك المواطنين الذين يحاولون الوصول إلى ما تبقى من منازلهم، خاصة أنهم كانوا يصلون إليها بأمان في فترات سابقة، قبل أن يتم دفع الخط إلى داخل القطاع.
كما شددت "المصادر"، على أن إسرائيل حولت فعلياً الخط الأصفر إلى "مصيدة للموت"، حيث يتم قتل الفلسطينيين عنده بدم بارد، موضحة أن غالبية الضحايا سقطوا بنيران أطلقت عن بعد، من مسافات لا تقل عن 200 متر.
خروقات اتفاق غزة
واستشهد نحو 400 فلسطيني منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، نتيجة الخروق الإسرائيلية، من بينهم ما لا يقل عن 220 شخصاً قضوا في غارات جوية جاءت ضمن موجات تصعيد عسكري، شملت اغتيالات لعناصر من الفصائل الفلسطينية المسلحة داخل منازلهم أو مركباتهم أو تجمعاتهم، بذريعة الرد على خروق فلسطينية للاتفاق، من بينها عمليات إطلاق نار في رفح ومناطق أخرى.
في المقابل، استشهد نحو 150 فلسطينياً جراء إطلاق النار والقصف من الطائرات المسيّرة والمدفعية أثناء اقترابهم من الخط الأصفر، فيما سقط باقي الضحايا نتيجة انفجار مخلفات حربية أو بسبب إصابات سابقة.
خروق مستمرة وحدود جديدة
وجاء ذلك في وقت تواصل فيه إسرائيل خروقها اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، عبر الغارات الجوية وعمليات النسف وإطلاق النار على جانبي الخط الأصفر.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، مساء الخميس، عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إن الخط الأصفر أصبح يعتبر "الحدود الجديدة"، مؤكداً عدم الانسحاب منه ما لم يتم نزع سلاح حركة "حماس".
وأشار "المسؤول"، إلى أن القوات الإسرائيلية تستعد للبقاء في تلك المناطق لفترة مفتوحة، بما يتيح لها السيطرة على نحو نصف مساحة قطاع غزة، وفرض ترتيبات أمنية جديدة، مشددًا على أن أي انسحاب مستقبلي سيخضع للاعتبارات السياسية التي ستحدد مسار المرحلة المقبلة.
اجتماع ميامي
ويشار إلى أن أمس الجمعة في مدينة ميامي الأميركية، عقد اجتماع يضم مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى جانب مسؤولين من مصر وقطر وتركيا، لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة، بما في ذلك الخروق والمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
رهان حماس على الوسطاء
وفي المقابل، تأمل حركة "حماس" في التوصل إلى تفاهمات تضع حداً لهذه الخروق، وقال عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الشعب الفلسطيني يتوقع من هذه المحادثات الاتفاق على وقف "العربدة الإسرائيلية" وإنهاء جميع الانتهاكات، وإلزام الاحتلال ببنود اتفاق شرم الشيخ.
كما أفادت مصادر من الحركة في غزة لصحيفة "الشرق الأوسط" بأن "حماس" والفصائل الفلسطينية تعوّل على دور الوسطاء في إقناع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقف الخروق، والسماح بإدخال المساعدات الإغاثية، من خيام وكرفانات وغيرها، وبدء عملية إعمار حقيقية، مع الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، خصوصاً ما يتعلق بالوضع الإنساني.
وشددت "المصادر"، على أن كبح تصرفات إسرائيل يتطلب دوراً أكثر فاعلية من الولايات المتحدة والوسطاء الضامنين للاتفاق، بما يتيح الانتقال إلى المرحلة الثانية، محذرة من أن استمرار تنصل إسرائيل من التزامات المرحلة الأولى قد يعرقل استكمال الاتفاق.
الأوضاع الإنسانية
وعلى الصعيد الإنساني، كشفت منظمة الصحة العالمية وفاة أكثر من ألف مريض في غزة أثناء انتظارهم الإجلاء الطبي من القطاع منذ يوليو 2024، وقال مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، عبر منصة "إكس"، إن 1092 مريضاً توفوا بين يوليو 2024 ونوفمبر 2025 وهم في انتظار الإجلاء، مرجحاً أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك.
ومن جهتها، أفادت منظمة "أطباء بلا حدود" بتسجيل معدلات مرتفعة من التهابات الجهاز التنفسي بين سكان قطاع غزة، نتيجة قسوة الشتاء وتدهور الظروف المعيشية، في ظل استمرار الأزمة الإنسانية.
وأوضحت "المنظمة"، أن مئات الآلاف من الفلسطينيين ما زالوا يعيشون في خيام مؤقتة ومتهالكة تغمرها مياه الأمطار، ما يزيد من المخاطر الصحية، لا سيما على الأطفال وكبار السن.
كما دعت "المنظمة"، السلطات الإسرائيلية إلى السماح الفوري بتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة على نطاق واسع، محذرة من تفاقم الأوضاع الصحية والإنسانية في حال استمرار القيود المفروضة على وصول الإمدادات الأساسية.
