غادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، صباح الأحد، الأراضي الإسرائيلية متوجهًا إلى ولاية فلوريدا الأميركية، في زيارة تهدف إلى عقد لقاء مباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويعد هذا الاجتماع السادس بين الطرفين منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، مما يعكس استمرار التنسيق السياسي رغم تعقد الملفات المطروحة على الطاولة.
ملفات إقليمية ساخنة
من المنتظر أن يتناول اللقاء عددًا من القضايا الإقليمية الحساسة، في مقدمتها مساعي الإدارة الأميركية للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة إعادة إعمار قطاع غزة، إضافة إلى التطورات الأمنية المتسارعة على الجبهتين اللبنانية والسورية، في ظل تصاعد المخاوف من اتساع رقعة التوتر في المنطقة.
وسوف يحضر الملف الإيراني بقوة في المحادثات، إذ تسعى تل أبيب إلى نقل مخاوفها المتزايدة بشأن محاولات طهران إعادة بناء وتطوير منظومتها الصاروخية، وما قد يشكله ذلك من تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي والأمن الإسرائيلي، خاصة في ظل المعطيات الاستخباراتية الأخيرة.
رسالة إنسانية بعدها سياسي
يسافر نتنياهو على متن الطائرة الرسمية المعروفة باسم “جناح صهيون”، وبرفقته والدا الأسير الإسرائيلي ران غويلي وهو شرطي سابق، وتأتي هذه الخطوة في إطار محاولة للضغط على الإدارة الأميركية لتأجيل المضي قدمًا في المرحلة الثانية من خطة إعادة إعمار غزة إلى حين العثور على جثة غويلي وإعادتها إلى إسرائيل، في ملف يختلط فيه الإنساني بالسياسي والأمني.
وفي خطوة لافتة، أعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية عدم السماح للصحافيين بمرافقة نتنياهو على متن الطائرة، خلافًا لما جرت عليه العادة في الزيارات الرسمية، مما أثار تساؤلات حول حساسية اللقاءات المرتقبة وطبيعة الرسائل التي يسعى نتنياهو إلى تمريرها بعيدًا عن الإعلام.
لقاءات موسعة داخل الإدارة الأميركية
لا تقتصر زيارة نتنياهو على لقاء ترامب فقط، إذ من المتوقع أن يعقد خلال الأسبوع سلسلة اجتماعات مع مسؤولين أميركيين بارزين من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيتر بيريان هيغسيث، إلى جانب لقاءات مع قيادات في الجالية اليهودية، لبحث مجمل التطورات الإقليمية.
موعد غير مؤكد واستياء إسرائيلي
حتى الآن، لم يعلن البيت الأبيض رسميًا عن توقيت الاجتماع، إلا أن التقديرات تشير إلى انعقاده في ساعة متأخرة من ليلة الاثنين بتوقيت إسرائيل، داخل منتجع مارالاغو المملوك لترامب وأفادت مصادر مقربة من نتنياهو بوجود انزعاج واضح من توقيت اللقاء، مع محاولات فاشلة خلال الأيام الماضية لتقديم موعده.
ترامب بادر أم نتنياهو؟
كان الرئيس الأميركي قد صرح في وقت سابق من الشهر الجاري بأن نتنياهو هو من طلب عقد هذا اللقاء، وهو تصريح فتح باب التكهنات داخل إسرائيل حول ميزان العلاقة بين الطرفين، وما إذا كان الاجتماع سيحمل طابعًا وديًا أم يشهد نقاشات حادة.
توتر محتمل بسبب غزة وتركيا
تسود في إسرائيل تقديرات بإمكانية ظهور خلافات ملحوظة بين ترامب ونتنياهو، خصوصًا بشأن مشاركة تركيا في قوة حفظ سلام محتملة داخل قطاع غزة، إضافة إلى الخلاف حول توقيت وآليات الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب لإنهاء الحرب، في ظل صعوبات أميركية في إقناع دول بالمشاركة في هذه القوة.
أجواء اللقاء غير قابلة للتوقع
نقلت صحيفة “هآرتس” عن مصادر مطلعة أن طبيعة اللقاء يصعب التكهن بها، سواء من حيث نبرة الحوار أو مخرجاته، وقال أحد المصادر: "لا يمكن التنبؤ بسلوك ترامب، لكن ذلك لا يمنع أن تسفر المحادثات عن نتائج إيجابية".
الملف السوري
في المقابل، ترى دوائر إسرائيلية أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق تقدم في الملف السوري، حيث يبدو الطرفان أكثر تقاربًا في الرؤى، مقارنة بملفات أخرى قد تشهد تباينات واضحة في المواقف.
المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة
ينعقد اللقاء في وقت تكثف فيه واشنطن جهودها لإطلاق المرحلة الثانية من خطتها لإنهاء الحرب في غزة خلال الشهر المقبل، وهي المرحلة التي وصفها ترامب سابقًا بأنها ستبدأ قريبًا جدًا، مما يثير قلق الحكومة الإسرائيلية.
وتخشى تل أبيب أن تمضي الإدارة الأميركية في إعادة إعمار قطاع غزة بالتوازي مع محاولات نزع السلاح، مع إعطاء أولوية لتفكيك قدرات حركة حماس قبل الشروع الفعلي في الإعمار، وهو ما تعتبره إسرائيل مسارًا محفوفًا بالمخاطر.
ومن المتوقع أن يطالب نتنياهو بعدم إحكام الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة قبل تحديد مصير جثة غويلي، والإبقاء على هامش تحرك يسمح بالبحث عنها، في مؤشر على تشابك الاعتبارات الأمنية والإنسانية في ملف غزة.
ملامح الخطة الدولية لإدارة غزة
تمثل المرحلة الثانية من خطة ترامب مشروعًا دوليًا واسعًا، رغم ما واجهه من تأخيرات خلال الأشهر الماضية، وتهدف هذه المرحلة إلى تشكيل حكومة جديدة في غزة، ودفع عملية إعادة الإعمار بشكل منظم وتحت إشراف دولي.
وتشمل الخطة مطالب أساسية، أبرزها نزع سلاح حركة حماس، تدمير الأنفاق المتبقية، وضمان خلو القطاع من السلاح، كما يستعد ترامب للإعلان عن مؤسسات إدارية جديدة من بينها “مجلس السلام” المشرف دوليًا على إدارة غزة، وحكومة تكنوقراط تتولى الشؤون اليومية دون ارتباط بحماس.
ومن المنتظر أيضًا الكشف عن قوة استقرار دولية، مهمتها حفظ الأمن، مراقبة نزع السلاح، تأمين المساعدات الإنسانية، ومنع إعادة تأهيل حماس، وقد شدد نتنياهو في مناسبات سابقة على رفضه القاطع لمشاركة أي عناصر تركية في هذه القوة، وهو موقف مرجح طرحه بقوة خلال لقائه مع ترامب.
في إطار الترتيبات الأمنية المقترحة، يتوقع أن تنسحب القوات الإسرائيلية من المناطق الواقعة على “الخط الأصفر” إلى مناطق “الخط الأحمر”، ضمن خطوات تهدف إلى إعادة الاستقرار النسبي للقطاع، وسط مراقبة دولية مشددة لمسار التنفيذ.
