بقلم أ.د. خالد محمد صافي
إن المتابع لمجريات الأحداث يجد أن الجانب الإسرائيلي ما زال مصرا على إبقاء غزة منعزلة عن محيطها الفلسطيني، وأن التعامل معها يجب أن يبقى في إطار انساني. والحقيقة أن حركة حماس الآن في وضع لا يحسد عليه من خلال خطوط التهدئة التي تتبناها والتي تجعل الطرف الأخر متعنتا عن التجاوب معها. إن حركة حماس قد باتت تدرك أن إبقاء قطاع غزة في دائرة الإطار الانساني سواء من خلال لجان الاعمار التي تشكل بعد كل عدوان أو الجانب الإغاثي يبقى قطاع غزة خارج المرجعية السياسية، ويقزم دور حركة حماس كحركة مشروع وطني، وحركة مقاومة عن قضية فلسطينية هي قضية سياسية في جذورها وفروعها. هي قضية شعب يبحث عن حريته واستقلاله وسيادته، وليس قضية شعب لاجىء يحتاج إغاثة. فابقاء الوضع في غزة في إطاره الإنساني الإعماري أو الأغاثي هو تكرار لما حدث في عدوانات سابقة، من حيث بقاء الوضع الإنساني في قطاع غزة وضعا سيئا وصعبا ومحاصرا. وما تم سابقا من تخفيف هنا أو هناك أو تنفيس هنا أو هناك في قطاع غزة أبقى على الوضع وضعا ترقيعيا وكارثيا في نفس الوقت. ولم تستجب دولة الكيان حتى لما تم الاتفاق على بحثه لاحقا بعد التهدئة مثل الميناء والمطار ... الخ.
فقد بقيت كل هذه الوعودات حبرا على ورق. وبقيت حماس في دائرة إطار انساني يتعلق برفع الحصار أو تخفيفه وهو إنجاز بسيط لا يرتق لنا تم تصويره من انتصارات. فلم يعد الشعب يهمه بقاء حماس في حكم غزة أو ازالتها، ولم يعد الشعب يهمه تبريرات حماس بأنها قامت بالانقلاب من أجل حماية المقاومة. فإن مقاومة تبقى في إطار انساني إغاثي محاصر أو مقاومة تهدف للحفاظ على حكم واقع لإطار سياسي بعينه تبقى مقاومة تحلق في أفق معيشي ضيق لن تنجح في تجاوزه، أو في إطار حماية سيطرة فصيل سياسي على جزء من الوطن تم سلخه بالقوة عن الجزء الأخر.
ولذلك فإن حركة حماس مطالبة الأن بضرورة الخروج من أزمة الواقع المعيشي الإنساني وذلك بإعادة البوصلة إلى المشروع الوطني وقضية شعب من خلال ربط التهدئة بسقف سياسي. وأن تشكل حماس مرجعية سياسية للمشروع الوطني، وتوفر غطاء حماية الشعب للشعب الفلسطيني بأكمله إن لم يكن في الشتات فعلى الأقل في الداخل الفلسطيني بحيث يمكن أن يترك لمنظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية فلسطيني الشتات فيما تشكل حركة حماس بمقاومتها مرجعية سياسية للشعب الفلسطيني في الداخل فيما يتعلق بمشروعة التحرري الوطني وقضايا القدس ومحاولات التهويد والتهجير بعد أن فشلت السلطة الفلسطينية في القيادة بدورها في حماية شعبنا وحماية مقدساته. وبالتالي يتم تحويل السلطة الفلسطينية إلى سلطة تكنوقراط خدماتية فقط في الضفة الغربية. وتشكل منظمة التحرير المرجعية السياسية العليا للسلطة كسلطة خدماتية فقط، وأيضا مرجعية سياسية عليا لحركة حماس في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني نحو دولة مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية لاسيما وأن حركة حماس وافقت في وثيقتها السياسية الصادرة في مايو 2017م على مرحلية دولة في حدود عام 1967م.
وفي الوقت نفسه يتم إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية جامعة عليا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بعد ادخال حركة حماس والجهاد الاسلامي لها ضمن إطار رؤية مشتركة ذات استراتيجية متفق عليها، ينبثق عنها برنامج سياسي توافقي.
إن حركة حماس تقف الآن على المحك، فأما تهدئة تعود إلى إطار إغاثي اعماري ثبت فشله في عدوان سابقة وأذهب أدراج الرياح تضحيات شعبنا الجسام، وبالتالي الإبقاء ضمن إطاره يعني إعادة إنتاج الفشل مهما تم تغليف ذلك من أوهام نصر زائفة، وبالتالي سيشكل ذلك انتحار سياسي عاجلا أو اجلا، أو الانتقال الى مربع جديد من خلال الصمود وجعل التهدئة ذات سقف سياسي تجاه القدس والمشروع الوطني الفلسطيني مما يجعل الجانب الإسرائيلي في طريقه للانتحار السياسي. فمقاومة بدون برنامج سياسي تسعي لتحقيقه هي مقاومة مأزومة مهما بدت الصورة ضبابية من الخارج. فتضحيات شعبنا من خلال احتضان المقاومة وصموده أمام عنجهية وطغيان آله الحرب الصهيونية يجب أن تتوج بنوع من الحصاد السياسي وليس الحصاد المر كما حدث في عدوانات أخرى، فدوما يقاس مدى نجاح أي مقاومة في عدم التفريط بتضحيات الشعب، وعدم التفريط بما كابده من ألم ومعاناه وصبر وصمود أثناء العدوان. ولذلك لابد من إدارة معركة التهدئة وكأنها جزء من إدارة معركة المقاومة ضد العدوان الغاشم، بل ربنا تكون إدارة معركة التهدئة أكثر أهمية على صعيد المستقبل وعلى صعيد تثبيت استراتيجيات جديدة على أرض الواقع.
غزة
16/5/2021