بقلم: سليم النفار
منذ عشرة أيام فقط مرّت الذكرى ال57 لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. منظمة التحرير التي شكّلت في العقود السابقة والحالية الكيانية الفلسطينية، والتي من خلالها اتفق الفلسطينيون بكافة مشاربهم الايديولوجية على خوض الصراع مع المحتل، من أجل استرجاع الحقوق المُغتصبة، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني، وعودة اللاجئين اللذين أبعدوا قسراً عن مدنهم وقراهم، جرّاء الإرهاب الصهيوني وعصاباته التي استباحت البشر والشجر والحجر، مدعومة من قوى الشر الاستعماري وعلى رأسه بريطانيا وحلفائها.
وفي رحلة الشتات والكفاح الفلسطيني دفع الفلسطينيون فلذات أكبادهم، على مذبح الحرية التي ينشدون، من خلال منظمة التحرير وفصائلها المختلفة ، المتفقة على دوام الكفاح حتى تحرير البلاد ... و في آتون الصراع والمؤامرات التي أُحيكت ضدَّ الفلسطيني وقواه المكافحة، وفي ظلّ المتغيرات والمعطيات الإقليمية والدولية، غير المتجانسة مع نسق المشروع التحرري للفلسطينيين، اجترح الفلسطينيون برامج جديدة أكثر قبولاً من المجتمع العربي والدولي، فذهبوا الى ما سُميَ برنامج النقاط العشر، وكان ذلك عُقب حرب تشرين وسُمي ذلك البرنامج بالبرنامج المرحلي، وعلى الرغم من الاختلافات التي حدثت في بنية المنظمة آنذاك ، ولكن ظلت المنظمة هي البيت الشرعي والحاضن الحقيقي للشعب الفلسطيني، لأنَّ بوصلة الكفاح لم تُبدّل مواقعها و إنْ اختلفت الدروب نحو ذلك، ولأنَّ دم الشباب المُحتقن بالعنفوان آنذاك لم يكن يساوم على أيِّ تفصيلٍ في خارطة الحلم.
ولكن أوسلو التي حملت الكثير من التغيرات، تلعثمت فيها الخُطى وأصبح المشروع الوطني رهين تأويلات سياسية، لم تكن في أجندة الحالة السابقة، وفي العقدين الأخيرين من عمر السلطة الفلسطينية، تفاقم استغوال المشروع الصهيوني المُضاد، مع استرخاء في أدوات المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، معتمداً فقط على وسائل سلمية : مظاهرات ومفاوضات وخلاف ذلك من النضال السلبي، الذي لا يؤتي أُكله مع الطغمة الاستعمارية.
ولكن الآن وفي ظلّ المُتغيرات الكبيرة على الساحة الداخلية فلسطينياً، وبعد ملحمة الصمود الفلسطيني في قطاع غزة وانتفاضة الشعب كله في الضفة الفلسطينية وفي العمق الفلسطيني، هناك حيث تاريخنا الضارب في أعماق الأرض والتاريخ، وجب على كلّ المُشتغلين في السياسة الفلسطينية أن يستبصروا الطريق الأكثر صوابيه نحو ضمان الوحدة التي تجسدت في الميدان، وتجديد خلايا العمل الوطني بما يضمن ديمومة الفعل الوطني بمختلف أشكاله نحو فجر الخلاص من الاحتلال ... وإنَّ هذه المنظمة بما تشكله من ارث كفاحي وطني ، ليست حكراً على فصيلٍ بعينهِ، وهي ليست وعاءً فارغاً لإدخال الغريب على ثقافتها، وتحويلها الى ما ليس يشبهنا ثقافة ومفردات على قاموس هويتنا الوطنية، من أجل ذلك لابدَّ من اعادة استنهاضها ، وتجديد خلاياها ودوائرها وفق المهام الحقيقية التي يجب أن تطلع بها، لاستكمال الفعل الكفاحي التحرري، وعليه فلابدّ من دماء جديدة ورؤى جديدة طازجة، بطزاجة الدم الذي أريق في ميادين الصراع، مستندين الى موروث شعبنا النضالي ماضياً وحاضراً، بعيداً عن كلّ التوجهات الاقصائية واللغة الطارئة على مساقات العمل الوطني.
ففي زمن النهوض وعودة الروح للفعل الوطني الفلسطيني ، لم يعد مناسباً مواصلة استخدام الأدوات الشائخة، والاتكاء على اللغة الناعمة التي لم تجلب لنا غير التسويف والتذويب.
لقد نفض شعبنا عنه غبار الكسل والتلكؤ الذي اعتور مسيرته في العقدين الأخيرين، وعاد بقوة يحتل الأجندات الاقليمية والدولية بكل تفصيلاتها، وفي هذا السياق أصبح من الضرورات الواجبة، أن تنهض قياداته الى مستوى هذا العطاء لتعيد صياغة المواقف الاستراتيجية، وترمم البيت الحاضن لشعبنا وقواه السياسية، بما يمكننا من مواصلة رفع شعلتنا وادامة حضورنا السياسي والكفاحي حتى انجاز المهام الوطنية كاملة دونما نقصان .