السلطة والمثقف؟!

رياض عواد
رياض عواد

بقلم:د.رياض عواد

السلطة أي سلطة خاصة في البلاد العشوائية لا تحب النقد ولا ترغب أو ترحب به وهذا ليس بغريب عليها. السلطة نتاج ثقافة هذا المجتمع الذي يقمع فيه الكبير الصغير والمسيطر يقمع المسيطر عليه والرجل المرأة والاخ الأخت وصاحب العمل يقمع العمال/العبيد الذين يشغلهم ورجل الدين يقمع الجميع بلسانه وفتاويه بينما تقمع السلطة المجتمع بعصاها أو بقوانينها التي في الغالب تكون مفصلة على مقاسها.

السلطة في بلادنا العشوائية حذرة من كل صوت يعلو وتعتقد أنه موجه ضدها، لذلك فهي تواجهه مباشرة أو بالطرق غير المباشرة.
السلطة الفلسطينية قد لا تختلف جذريا عن هذا التوصيف فهي نتاج هذه الثقافة إضافة إلى أن هناك عاملين آخرين يؤثران على سلوكها:
الأول أنها سلطة غير مكتملة فهي مازالت تناضل تحت الاحتلال لتستكمل وجودها وشرعيتها واستقلالها وقوانينها
الثاني، معاناة السلطة من تدخلات الاحتلال ومحاولات التدخل في شؤونها وما يملكه من قوة تأثير على وجودها وقرارتها، إضافة إلى معاناة هذه السلطة من تدخلات أطراف خارجية، عربية وغير عربية، تحاول أن يكون لها تأثير على وجود وقرارات ومستقبل السلطة من خلال أطراف فلسطينية مختلفة لا تقتصر على أفراد واصوات هنا أو هناك، بل على مؤسسات وجمعيات أهلية وصولا إلى أحزاب وفضائل فلسطينية تعمل كليا وفق ايدلوجية ومن أجل أجندة هذا الطرف أو ذاك.

هل تستطيع سلطة في مثل هذه الظروف التي تعاني وتناضل من أجل التخلص منها على طريق تخليص شعبها من الاحتلال أن تكون سلطة حرة تأخذ قراراتها بسهولة ويسر بينما كل أبواق واعلام الدنيا مسلطة عليها تنتظر سقطاتها وتنفخ فيها وتعيد انتاجها بشو إعلامي مضخم ومؤثر.

هذا ليس دفاعا عن أي أخطاء للسلطة أو مبررا لأي إجراءات أو أفعال غير ديمقراطية تتخذها، فأنا اعتقد ان اي قرارات واجراءات غير قانونية أو غير ديمقراطية تضعفها وتعطي المتربصين بها الفرصة للهجوم عليها، وتمدهم بالمصداقية وتوفر للبعض منهم الفرصة التي يبحثون عنها بشق الأنفس للعب دور الضحية والبطولة.

أن الشعب والسلطة الفلسطينية يناضلون من أجل وجود وطن، قيام وطن، الذي بدونه لن يجد الفلسطيني نفسه ولن يجد من يحترمه على وجه الأرض، وتجربة الفلسطيني مع الحدود العربية ووثائق السفر غنية وتؤكد أهمية أن يكون للفلسطيني وطن ولو كمرقد عنزة أو مفحص قطاة أو أصغر. هذه ليست بالمهمة اليسيرة، لذلك وضع البحث عن الديمقراطية في تناقض مع النضال لقيام وطن ليست من مصلحة النضال ولا الشعب الفلسطيني المعذب على الحدود. ومن هنا يبرز أهمية أن يحافظ هذا المثقف على السلطة كمشروع وطني وحيد وممكن في ظل هذا الواقع الذي نعيش وهذه التحديات التي يواجهها مشروع قيام سلطة أو دولة وطنية. ان أي مهمات ديمقراطية يجب ربطها بالهدف الوطني المركزي وهو إزالة الاحتلال، من العبث طرح الشعارات في الفراغ دون ربطها بالهدف الوطني. كما أنه من المحرم استخدام شماعة الاحتلال لقمع الحريات ومنع الممارسة الديمقراطية.

طبعا، دور المثقف أن ينتقد السلطة ويواصل هذه المهمة المقدسة، هذا دور المثقف الوطني المستقل عن أجندات الخارج والداخل وهذا ما نتابعه يوميا لكثير من هؤلاء المثقفين الوطنيين الذين يواصلون تأدية رسالتهم بأمانة واقتدار. رغم عتب البعض عليهم لسببين:
الاول، انخفاض أصواتهم ومعارضتهم عندما تتعرض حريات أجزاء كثيرة اخرى من وطنهم للقمع، البعض منهم يتحاشي فعل ذلك حتى لا يحسب على السلطة ويتهم بانه يطبل لها، وآخرون لا يقومون بواجبهم هذا مداقرة في السلطة.
الثاني، عدم التصدي بالكلمة لمروجي الاشاعات وادوات الأطراف الخارجية الذي يبالغون في معاداتهم للسلطة، هذه المبالغة تضر بالمواطن والسلطة معا.

يجب أن يكون واضحا انه من الخطورة ان يتحول دور بعض هؤلاء المثقفين أو المعارضين السياسيين، لأسباب عديدة ومعروفة، من مهمتهم في النقد إلى المناكفة، وهي مقبولة على العموم، إلى التحريض والكذب وتلفيق القصص ومحاولة تحريض الخارج أو حتى استدعائه للتدخل في شؤوننا الداخلية، اعتقد هذا لم يعد دور المثقف ولا المعارض الوطني، ولا يمكن أيضا السكوت عنه والاستسلام له خوفا من الاتهام بمعاداة الديمقراطية.

أن مبالغة بعض المثقفين في تحريضهم المبالغ فيه ضد السلطة الفلسطينية هي محاولة شخصية لتسجيل نقاط لصالحهم تؤهلهم لأن يكونوا أبطالا، في زمن لم تعد للبطولة الفردية فيه من معنى، نتمنى على السلطة الفلسطينية أن تغض الطرف عن هؤلاء وتتركهم يمارسون هوياتهم المفضلة. ارجو الا تنسى هذه السلطة أن بعضا من هؤلاء المثقفين كان ومازال جزءا من هذا التاريخ الوطني الطويل ومازال يرتع في ظل خيرات هذه السلطة، في حين لا يلتفت هؤلاء المثقفين كثيرا إلى واقع الناس البائس ولا يعتنون بالدفاع عنه، تجربة قانون الضمان الاجتماعي واحد من هذه الأمثلة؟!.

أما إذا أردنا أن نقارن بين السلطة وديمقراطيتها والحريات المتوفرة للأفراد والجماعات تحت حكمها مع كثير من سلطات المنطقة، القريبة والبعيدة، الشرعية وغير الشرعية، ستكون هذه المقارنة ظالمة للسلطة، لأن السلطة الفلسطينية بكل عجرها وبجرها، لا يمكن مقارنتها بهم ولا مقارنة هؤلاء بالسلطة، وعلى العموم ما بتعرف خيري الا لما تجرب غيري، اللهم اعطيهم لكل مشتهي؟

البوابة 24