البوابة 24

البوابة 24

كابول بين الدعاية والواقع

بسام صالح
بسام صالح

بقلم:بسام صالح 


يتباكى الغرب، ويجرى متسارعا مجندا طائراته العملاقه، في عملية تسابق الزمن، لانقاذ ونقل الافغانيين الذين تعاونوا مع من شارك في احتلال وتدمير بلادهم، الى جانب العاملين في السفارات و ما تبقى من قوات امريكية وحلفائها. الاعلام الغربي يبذل جهودا عظيمة للتغطية على  الهزيمة الاخلاقية والعسكرية للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في حلف شمال الاطلسي الناتو، الذين يحاولون تعويض هزيمتهم بما يقمون به من عمل انساني لانقاذ حياة البعض من عملائهم، ولكنه اي الاعلام، لا يتطرق الى اؤلئك المرتزقة الذين شكلوا قوات عسكرية خاصة (كونتراكترز) الى جانب القوات النظامية الامريكية، وهم ما تحاول امريكيا نقلهم خارج افغانستان واعدادهم تقدر بعشرات الالاف. اما الشعب الافغاني فلم يحسب له اي حساب. 


الاعلام الغربي و المحللين واصحاب الراي، يتناسون وبشكل متعمد، اتفاق الدوحه الذي وقعته الولايات المتحدة مع حركة طالبان في 29 فبراير من العام الماضي ، تحت عنوان" اتفاق لجلب السلام الى افغانستان، بين الولايات المتحدة الامريكية وامارة افغانستان الاسلامية، الغير معترف بها كدولة من الولايات المتحدة، والمعروفة ب طالبان" انه اكثر من اتفاق بين طرفين، بل وثيقة دولية مسجلة. هذا الاتفاق الذي جاء نتيجة لمباحثات بدأت منذ عام 2018 وهذه سمحت لطالبان بفتح مكتبها السياسي في العاصمة القطرية الدوحة، التي استضافت المفاوضات. اما الحكومة الافغانية المعترف بها رسميا فقد تم استثناؤها عن طاولة المفاوضات، حتى شهر سبتمبر عندماء بدأ الحوار بين الاطراف الافغانية لتنظيم العلاقة بين الامارة والحكومة الرسمية ، ولم ينجح الحوار. وهذا بحد ذاته، مؤشرا عمليا على قبول الولايات المتحدة لمطالب الامارة الاسلامية بعدم الاعتراف بالحكومة القائمة، وهذا اعطى المزيد من القوة والشرعية لمواقف حركة طالبان وحكم بالفشل على استمرار الحوار بين الاطراف الافغانية. 


يبدو ان هذا النوع من الدبلوماسية الذي يستثني اصحاب الشأن والمعنيين، هو السائد في سياسة الولايات المتحدة الجديدة، وقد سبق اتفاق الدوحة، اتفاق اخر فرضه الرئيس الامريكي السابق ترامب، الذي تم توقيعه بين اسرائيل والولايات المتحدة، من اجل السلام بين الفلسطينيين واسرائيل وتبع ذلك بعض الدول العربية، هذا الاتفاق الممسوخ اصبح معروفا باسم الاتفاق الابراهمي،استثنى ايضا الفلسطينيين وهم احد اهم الاطراف في الصراع. وهذا يوضح ان كل ما يهم الولايات المتحدة هو فرض سياستها وحماية مصالحها دون اي اعتبار لمصالح الشعوب او استقرار الدول التي تعاني من اشكاليات داخلية او بسبب التدخلات الخارجية، بل انها على استعداد لتمرير وقبول اي نظام يخدم اهدافها ومصالحها.
وبالعودة الى اتفاق الدوحة الذي يحتوي في مضمونه انسحاب الولايات المتحدة من الاراض الافغانية مقابل تعهد طالبان بعدم اعاقة الانسحاب الامريكي واعوانه، بينما تضمن الولايات المتحدة العودة الآمنة لحكم طالبان، وتعهد طالبان بمكافحة الارهاب وعدم التواصل مع منظمات اسلامية ارهابية مثل تنظيم الدولة الاسلامية او تقديم اي مساعدة له. كما اتفق الطرفان على ان تقوم الولايات المتحدة بمساعدة افغانستان في اعادة البناء عند استتباب الامن والاستقرار. وشمل الاتفاق دعوة طالبان لاتفاق مع الحكومة الرسمية، وتعهد امريكي بازالة اسم حركة طالبان عن لائحة الارهاب الامريكية والعمل على المستوى الدولي لتحقيق نفس الهدف. 


اذن كل ما هو مطلوب من طلبان عدم تعريض امن الامريكان للخطر. فالاتفاق لم يشر لا من قريب ولا من بعيد لحقوق الانسان، او المرأة  او الحريات العامة او للديموقراطية التي طالما تغنت بها واشنطن وحلفائها. صحيح ان الاتفاق تم توقيعه بقرار من ترامب، ولكن الرئيس بايدن لم يتقدم باي اعتراض او عدم موافقة تماما كما هو الحال مع الاتفاق الابراهيمي، مما يدل على استمرارية السياسة الخارجية الامريكية وعدم وجود فوارق تذكر بين الجمهوريين والديموقراطيين، وهذا يصبح اكثر وضوحا اذا ما عرفنا ان رئيس الوفد الامريكي المفاوض كان زاماي خاليزان الذي يتمتع بثقة الحكومة الامريكية للشؤون الافغانية منذ سبعينات القرن الماضي وبقي يتمتع بنفس الثقة مع تغير الادارات الامريكية، وصمت الرئيس بايدن، باستثناء بعض التصريحات المتلعثمة، يحمل اكثر من معنى. 


يمكن استخلاص ان ما يدعيه الاعلام الغربي هو مجرد ادعاء، ولم يكن مفاجئا لاحد، وان الاتفاق والانسحاب الذي تم الاعلان عنه، كانت نتائجه امام اعين الجميع، فهل تم اخراجه بعيدا عن النص ولماذا؟ الاموال التي انفقتها الولايات المتحدة وحلفائها، على هذه الحرب منذ عشرين عاما، وما انفقوه على بناء جيش من 300 الف جندي افغاني، واسلحة حديثة متطورة، لم يتحرك للدفاع عن نظام اقامته امريكيا للشعب الافغاني، وهذه الاسلحة ستكون بايدي طالبان، هل كانت جزءا من الاتفاق، ام احد الاضرار الجانبية؟ 


نعم نفرح لكل ضربة موجعة توجه للسياسة الامريكية وفي اي مكان في العالم، ولكننا لا نملك تلك الفرحة لما يسمى"انتصار طالبان"، لمعرفتنا بنشاة وتاريخ هذه الحركة وارتباطاتها، ونتمنى للشعب الافغاني ان يتمكن من تقرير مصيره بنفسه، وان يتمتع  بالاستقرار وعلاقات طيبة مع جيرانه، خاصة في هذه المرحلة التي يبحثون فيها جميعا وضمن مصالحهم عن استقرار هذا البلد بعد ما عاناه من حروب واحتلال.

 

البوابة 24