فلسطين - البوابة 24 - عبدالكريم هنا - غزة
" حياة الحرمان والفقد والسجن المؤبد نعيشها مع هذه الهوية" بهذه الكلمات وصف أكثر من 10 آلاف من هم حَملة الهوية الزرقاء حالهم في غزة، تنوعت القصص والسبب واحد هو عدم وجود وثيقة رسمية تُمكنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي كأي فلسطيني يعيش في غزة، تم استبدال الوثائق الرسمية بهوية زرقاء وجواز سفر لا يحمل رقم وطني معترف به للتنقل عبر المعابر الحدودية مع قطاع غزة.
الهوية الزرقاء أصدرتها الحكومة في غزة عند توليها الحكم عام 2007 وهذه لا تعترف بها اسرائيل للسفر من خلالها عبر معبر بيت حانون "ايرز" ، أما عن جواز السفر الذي لا يحمل الرقم الوطني أو ما يسمى "بالمُصفر" أمر بإصداره الرئيس محمود عباس عام 2017 وتم تفعيله عبر معبر رفح لوقت قليل من ذلك العام من ثم تم منع السفر من خلاله عام 2018 إلى حتى اللحظة.
حرمان من الأهل
غادة البابا "40 عاماً" ولدت في الأردن، أتت إلى قطاع غزة لتتزوج من ابن عمها عام 2001، اعتقدت أن تواجدها في غزة لن يحرمها من والديها واخواتها، لكن منذ أن تركت الأردن لم تراهم أبداً وتطالب باستمرار بلم شملها مع عائلتها لو ليوم واحد فقط.
تقول: لم أفكر يوماً أنني سوف أكون سجينة في بلدي، أحب غزة وأفتخر بفلسطينيتي ولم أندم أبداً أنني جئت لغزة وعشت بها، ولكن الموجع هو عدم معاملتي بأنني فلسطينية وبإعطائي حقي بوجود بطاقة تعريفية وهي الهوية الفلسطينية التي تمكنني من تقديم طلب تصريح للخروج عبر معبر بيت حانون للسفر إلى الأردن ورؤية عائلتي، هذه الهوية الزرقاء لا تعترف بها اسرائيل لذلك لم أتمكن من السفر، عشرون عاماً من الغياب بكيت كثيراً لشوقي لعائلتي ولحقي بالسفر والتنفس قليلاً من الضغط الصعب الذي نعيشه في غزة".
عبرت غادة عن حقها في السفر للترويح عن نفسها بعد العيش بعدة حروب متتالية أفقدتها القدرة على التحمل والعيش تحت ضغط نفسي صعب، حيث وصفت الحرب الأخيرة بالقاتلة والتي تحتاج الى علاج نفسي لمحاولة تخطي لحظات الموت التي رأتها مع عائلتها، موضحة ذلك :" من حق كل مواطن في غزة السفر للعلاج والتعليم وللترفيه أيضاً، لكنهم يطبقون قانون السجن الجماعي في غزة، هذه المشكلة حرمتني من فرصة تجديد جوازي السفر الأردني، قلبي يحترق بسبب الغياب الذي لا يعوضه مواقع التواصل الاجتماعي ".
حرمان من العلاج:
شذى ياغي "39 عاماً" جاءت إلى غزة برفقة عائلتها للاستقرار بها عام 1996 وكان عمرها 14 عاماً أي أنها لم تبلغ السن القانوني لكي تُمنح هوية فلسطينية، عندما بلغت ذلك السن لم تجد حقها بأن تحصل عليها، احتاجت وثائقها الرسمية للعلاج من ورم حميد في الأنف يضيق الخناق عليها باستمرار.
تقول شذى: "أنا من مواليد مصر والدي ووالدتي فلسطينيان، قررت عائلتي العودة الى غزة للاستقرار بها ومُنحت الهوية لأمي واخواتي، أبي كان ينتظر معي ليحصل عليها لكنه توفي قبل أن يتم ذلك، ما زالت أنا أنتظر على أن أحصل على حقي بذلك، أحتاجها للعلاج من ورم حميد يؤثر على التنفس وسوف أفقد البصر في عيني اليمنى بسبب مضاعفات هذا الورم، أخبروني الأطباء أن لا علاج لي في غزة وتحتاج إلى عمليات في الخارج."
شذى تحمل وثيقة مصرية لكنها منتهية وتحتاج الى تجديد واصدار نسخة جديدة، هذا يستدعي حضورها إلى مصر لكي تتم المعاملة، لكن ذلك مستحيل مع وجود جواز سفر فلسطيني بدون رقم وطني غير معترف فيه لدى المطارات، الفرصة الوحيدة التي حصلت عليها للسفر إلى مصر للعلاج قبل أربع سنوات.
توضح ذلك قائلة:" عندما أصدر الرئيس محمود عباس جواز السفر أمر بتسهيل المعاملات على معبر رفح وتمكنت من السفر الى مصر، طلبوا مني إجراء فحص عينة كل ستة شهور خوفاً من أن يكون الورم متحور إلى الخبيث، لكن بعد ذلك فوجئت برفض مصر للسفر عن طريق هذا الجواز وكأن السياسة بدأت تسيطر على موضوعنا وتحرمنا من حقنا في العلاج".
حرمان من المعاملات الحياتية:
تُعتبر الهوية الزرقاء شيء غريب بالنسبة للمؤسسات الخدماتية في غزة بخلاف المؤسسات الحكومية، لكن بعض البنوك والمراكز الصحية الخاصة والمصارف لا تتعامل مع هذه الهوية كونها غير معترف بها ولا تتشابه مع الوثائق الرسمية المتداولة في غزة.
هذه بعض المشكلات التي تواجه عبد الله شبانة "50 عاماً" الذي ولد في قطر وترك عائلته قبل اثنان وعشرون عاماً لكي يستقر في غزة مع عماته، لكن هذه الخطوة كلفته الكثير وحرمته من أبسط حقوقه من بينها أن يجتمع بعائلته مرة أخرى.
أخبر عبد الله بذلك قائلاً:" هذه الهوية لا تمكنني من التقديم لأي فرصة عمل في غزة وفقدت حقي بالعمل هنا لبعض المؤسسات، هذا جعلني أعيش ظروف اقتصادية صعبة لم تمكنني من إكمال تعليم ابني الوحيد، عندما ترسل لي عائلتي مبلغ كمساعدة لي في هذه الظروف لا أتمكن من أخذها عبر بعض البنوك في غزة لأنهم ينظرون الى الهوية كأنها شيء غريب ومن ثم أُجبر على البحث عن بديل في مصارف أخرى، فقدت حقوقي كاملة حتى السفر لرؤية عائلتي واحتضان أمي وأبي، أخاف بشدة من فقد والدتي بأي وقت دون لقاءها سوف أعيش أزمة نفسية صعبة لن أنجو منها أبداً، أعاني من فقدان الوصل والمحبة لعدم قدرتي من الذهاب إليهم والاجتماع بهم مرة أخرى".
لا يوجد لهذه الفئة جهة محددة تدعمها وتدافع عن حقها بالحصول على هوية وجواز سفر رسميان ومتعارف عليهم داخل فلسطين وخارجها، كل ما يقومون به من احتجاجات وصرخات أمام المؤسسات الدولية والحقوقية والحكومية في غزة هي جهود ذاتية للدفاع عن حقهم في الحياة كفلسطينيين.