البوابة 24

البوابة 24

جدار غزة الصهيوني والبحث عن الأمن المصطنع

خالد محمد صافي
خالد محمد صافي

بقلم: أ. د. خالد محمد صافي

في تصريحات إعلامية سياسية وإعلامية وأمنية اختلفت دولة الاحتلال الصهيوني بانتهاء بناء جدار اسمنتي بطول 65 كيلو متر تحت الأرض وفوق الأرض على الحدود الشرقية لقطاع غزة بتكلفة إجمالية زادت عن المليار دولار، في خطوة تدعي أنها لافقاد  حركة حماس قدرتها في حفر وبناء الانفاق النافذة إلى داخل الكيان الغاصب، وأن ذلك يعد إنجاز أمني وعسكري في مواجهة المعركة المستمرة مع المقامة الفلسطينية، وأن من شأن ذلك أن يحقق مزيدا من الأمن لسكان مغتصبات الغلاف.  
   إن دولة مثل دولة الكيان الصهيوني التي لا زالت تعتمد نظريات العصور القديمة الوسطى في بناء الأسوار والجدران مثل سور مدينة طروادة وغيرها من المدن الفارسية واليونانية وسور الصين العظيم، وأسوار مدن تاريخية عظيمة مثل روما والقسطنطينية لم تمنع حدوث الغزوات ضدها، والهزائم التي حاقت بهذه المدن وأسوارها. وبالتالي فإن دولة مثل دولة الكيان الصهيوني التي تبعث وراء الأمن لسكانها لن تجلب لها سوى مزيد من الانعزال والتخندق وراء نظريات أمنية لم تعد تجدي نفعا مع تطور تكنولوجيا الحروب وأدواتها. دولة تقيم جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وجدار الفصل العنصري في قطاع غزة، هي دولة محكوم عليها بالفشل عاجلا أو آجلا.
    ففي كل العالم يتم الأن إزالة الجدران والحدود والانفتاح على العالم في ظل تحول الكرة الأرضية إلى قرية إعلامية صغيرة بفعل تطور تكنولوجيا الاتصالات وتطور وسائل النقل فينا تزداد دولة الكيان الصهيوني تقوقعا وانعزالا بحثا عن الأمن المنشود.  دولة فيها الجدران والأسلاك الشائكة في رياض أطفالها ومدارسها وجامعاتها ومؤسساتها وسجونها هي دولة كما قال المفكر الفلسطيني أدوار سعيد تستحق الشفقة وليس الاعجاب. دولة منغلقة تخشى على وجودها تحت ذريعة الأمن. 
   واذكر أنني حضرت ندوة في برلين في عام 2000م تضمنت مناظرة بين حنان عشراوي وياسر عبد ربة في مقابل فؤاد اليعيزر من وزراء الكيان الصهيوني حاول فيها فؤاد اليعيزر توجيه انتقاد شديد لمن يطالب بتقسيم القدس، وبناء سور يفصل القسم الغربي الصهيوني عن القسم العربي الشرقي. وحاول اللعب على دغدغة عواطف الألمان لكسب تعاطفهم ضد بناء اي سور محاولا التغلغل في تجاويف ذاكرتهم حول سور برلين الذي أقيم في ستة 1960م بعد أن كان أسلاك شائكة أقيمت مع افرازات تشكل الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الباردة، وتم انهيار السور وهدمه في أغسطس 1989م مع سقوط الاتحاد السوفيتي وتوحيد المانيا وبرلين. وبالتالي لعب فؤاد على وتر خشية ورفض الألمان الأسوار وتقسيم المدن. وركز فؤاد اليعيزر على فتح الحدود في القدس في عاصمتهم الأبدية على زعمه.
   لذلك تريد اسرائيل وفق منطقها الصهيوني العنصري رفض إقامة جدران وأسوار في القدس وتقسيمها، بينما تمعن في جانب آخر في التفنن في إقامة الأسوار في الضفة وقطاع غزة تحت ذريعة الأمن رغم أن هذه الأسوار لأهداف سياسية كي تمنع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وتحويل الأراضي المحتلة الفلسطينية إلى سجون كبيرة للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، ومنع استكمال المشروع الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقطيع اوصال الضفة الغربية عبر 600 حاجز إلى كنتونات منعزلة. 
    إن دولة الكيان الصهيوني فيما تبرر عدم إقامة اسوار في مكان مثل القدس والاحتفال بإقامة في أماكن أخرى يشكل امعانا صهيونيا في الاستمرار بحثا عن الأمن والتفوق العسكري لرفض إعطاء الفرص لخيارات سياسية تمنح الشعب الفلسطيني حقوقه في الدولة المستقلة والسيادة وتقرير المصير. وهذا يعد هروبا من استحقاق شعب في إنهاء الاحتلال البغيض وتحقيق طموحاته السياسية مثل بقية شعوب العالم. إن هذا الاحتفال الصهيوني بتحويل غزة إلى سجن كبير لن يمنع المقامة في غزة من البحث وابتداع طرق جديدة في تجاوز هذا الجدار وهزيمة منظومة الأمن الصهيونية في التقوقع وراء الجدران والأبراج. فهناك وسائل قتالية إلكترونية لم تعد الأرض فضاء عملياتها بل الجو مثل الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها. وبالتالي هذا الاحتفال والتقوقع قد يحقق الأمن لفترة مؤقتة ولكن بالتأكيد لن تكون طويلة أمام تطور وسائل التكنولوجيا وتطور وسائل الحركة والاختراق جوا. فلا السدود ولا الجدران ولا الأسلاك الشائكة يمكن أن يجلب الأمن في ضوء استمرار إنكار حقوق الشعب الفلسطيني الذي يصر على نيل استقلاله وحقوقه وسيادته في إقامة دولة أسوة بكل شعوب العالم.

غزة
15/12/2021

البوابة 24