هشام ابو هواش واسطرت النضال المتكئ على الجوع والعطش

بقلم :منُال فهمي زيدان

يغمرني سيل من الكلمات التي تتدفق من قلمي لاكتب ،سيل قطرات من ذهب تنتظر بزوغ الشمس من رحم الغيم تحت سماء صافية خالية حتى من النجوم ليبقى جبينك وحده النجم والقمر والشمس معا يجتمعان فوق صخرة صمودك مضاءات بجوعك وعطشك وثباتك ،هكذا يكون الابطال وهكذا نحن الشعب الفلسطيني بنساءه ورجاله وصغيره وكبيره،فانت الفلاح والعامل والتاجر والقروي والاجئ والمدني وانت قوس قزح تشكلت من كل اطياف العمل السياسي ومن العامة والمهمشين والمستقلين،فجمعت الواحد في الكل وكنت حارس البيدر وحارس البيوت العتيقة التي تحكي وتحي فينا سيرة الارض والاجداد والتراث الوطني الذي غاب عن نضالنا وخطابنا الوحدوي والوطني منذ زمن. هشام ابو هواش ابتلعتنا السياسة وابتلعتنا الانقسامات وتوهنا بين غزة والضفة وتزاحمنا وتقاسمنا على كرسي من ورق وسلطة لا سلطة لنا عليها وعلى إمارة تتاجر بالدين على حساب الوطن والوحدة ،حتى ابتلعتنا الفئوية والعنصرية والتشتت والتمزق ولم يبقى من نضالتنا ومناضلينا سوى قلة قليلة تناضل بصمت وشجاعة بطريقة فردية اخذت على عاتقها كسر هذا الجبل الجليدي من التمزق والتيه والضعف الذي تراكم بفعل تيه بوصلتنا التي كانت دوما تشير للنضال ضد المحتل حتى التحرر والاستقلال. كان بامكانك ان تنهي قصتك البطولية في وقت قصير ما دامت رسالتك وصلت لكنك اردت تحطيم وكسر القيد وجعلت من قصة نضالك رواية بطولية واقعية بكل حروفها واكثر تاثير وشغف من رواية البؤساء لفكتور هوجو ورواية الأم لمكسيك غوركي ليبقى تاثير قصتك حافزا للنضال للاجيال القادمة وشغفا ،فصنعت نضال وثورة لا مكان فيه للانتظار فطرقت جدران الخزان رافضا الاعتراف والقبول بواقعية الاحتلال وعربدته وقوانينه القسرية،فرقضت الزواج من هذا الواقع المرير القاهر للانسان الفلسطيني بلا محاكمة وبلا ذنب وذنبك الوحيد انك فلسطيني،فكنت كاتب ومنتج ومخرج وفنان جسدت النضال الفلسطيني بنضالك حتى لو كانت النهاية لها ثمن واحد فقط لا غير وهو حياتك،فاخترت جسدك وجوعك وعطشك روايتك ورواية الفلسطيني في وجه المحتل والعالم المنافق المغمض عيناه عن معاناة الشعب الفلسطيني،قاومت وناضلت بجسدك لتصويب الزمن والوقت والانقسام والسلام وتصويب المسار وتصحيح اخطاء الوضع الفلسطيني الداخلي واخطاء العالم الذي يتشدق بحقوق الانسان والديمقراطية وحق الشعوب بالحرية وتقرير المصير وكشفت زيفه وما يخفيه خلف هذه الشعارات المنافقة والكاذبة بحقنا وحق الانسانية. فتهنا في نفس الوطن مثلما تاه شعبنا ابان النكبة والنكسة في مختلف عواصم المدن والدول فصار الشتات عنوان قضيتنا،وصرنا الغرباء العابرون الزمن من اضيق حلقاته وصار حلمنا نحو الدولة يتكئ على كابوس من الانقسام وفتات من حقائب البترودولار حتى امتلئنا بتعب الاحتلال والانقسام والسلام معا. فلاح نور من افق جبينك وجوعك وعطشك وانت تقارع الموت والاحتلال معا في معركة الانتصار او الانتصار مهما كانت النتيجة ومهما كان الثمن،على خطى مَن سبقوك كالعيساوي والفسفوس والعكر والقواسمي والاعرج وغيرهم من ابطال الآسر،فكنت الموحد للانقسام وكنت المناضل في لحظة الضعف والانكسار ولم تحمل بندقية، كانت امعاءك الخاوية هي بندقيتك في وجه المحتل وانتصرت بكل جدارة لوحدك وبصمت على المحتل وعلى الموت الذي وقف خجلا امام صمودك وعنادك وعزيمتك،الموت الذي وقف 141 يوما على عتبات بابك جتى تضعف لينتزع روحك الطاهرة الصابرة ،لكنه وقف بصمت مثلما ناضلت وحيدا صامتا ١٤١يوما ،انتصرت بامعاءك الخاوية على السجن والسجان فكنت أيقونة وشعلة النضال وبجوعك حققت ماعجزت عن تحقيقه الصواريخ والبنادق والسياسة ،ووحدت غزة مع الضفة مع الشتات وال ٤٨ وحدتنا واعدت قضية الأسرى كقضية مركزية حاضرة في أذهان العالم والإعلام واضئت من جديد وهج القضية الفلسطينية ، فنحن ممتنون لانتصارك لنا قبل أن تنتصر لنفسك ورفضك الاعتقال الاداري انت انتصرت للشعب الفلسطيني ولكل احرار العالم. جسدت الحب والعاطفة امام العالم لابنائك وعائلتك ووطنك وشعبك وقطُعت القلوب ومزقت حناجر الانسانية لكل مَن شاهد اطفالك يبكون امام جسدك المتهاوي وامام الموت الذي قد ينتزع روحك وحياتك في أي لحظة،فاسست لثورة في داخل كل شريف وحر واسست قداسة وقدسية لقضيتنا الفلسطينية وعدالة المقاومة والنضال ضد الآسر. نحن ممتنون لله عز وجل الذي أمد بعمرك لتعود لاطفالك وعائلتك ممتنون لشجاعتك وارادتك ممتنون حتى للموت الذي لم يأخذك بصمته ليترك لك الحياة لتحكي قصتك للأجيال فأانت القصة التي سنرويها لأطفالنا قبل النوم وبعد كل معركة انتصار للآسرى، ومعك الكثيرين من الابطال ابطال الأسر. يقول كنفاني إن الصمت هو صراخ من النوع نفسه،أكثر عمقا وأكثر لياقة بكرامة الانسان واحيانا أكثر ضجيج وصدى من الصراخ،وهكذا كنت ابو هواش تناضل بصمت ولياقة وكرامة وكأن النضال يعيش بداخلك منذ تفتحت عينيك على الاحتلال ،انه النضال نفسه الذي يعيش بداخل الكثيرين منا،لكننا نحتاج لفرصة للنضال ،انت حصلت على فرصتك واثبت وجهة نظرك ومنطقك في البطولة والشجاعة والعزيمة ،اثبت عمق قضيتنا وطهارة عدالتها،اما نحن ما زلنا مشغولين في البحث عن غزة لتعانق الضفة ونبحث عن لاجئين ينتظرون العودة وحرية طالت وطال معها القيد والاسر . انت ناضلت وانتصرت ورسالتك وصلت بقاع الارض ونحن كشعب وقوى ومنظمات وطنية ملزمون أن نستثمر رسالتك وانتصاك حتى لا نفقد بوصلة النضال التي تاهت بين الانقسام والسلام وبذلك اعطينى اسرائيل الذريعة لتستبيح الشجر والحجر والمعتقل . إن الاضرابات الفردية اصبحت شبه نهج واصبحت خطر على الاسرى المضربين لذلك يتوجب صياغة مشروع نضالي موحد في وجه سياسة الاعتقال الاداري كخطوة الآسرى الادارين كافة بمقاطعة المحاكم العسكرية ، فالخطر الحقيقي على الآسرى هو ان تستغل إسرائيل الفرصة التي يمكنها أن تقر فيها أن اللحظة قد أصبحت واقعا لاغتيال الاسرى من خلال عدم الافراج عن المضربين عن الطعام بشكل فردي والاحتلال يسعى جاهدا إلى كسر إضرابات الأسرى عبر خلق نموذج ردع كاطالاة فترة الاضراب قبل اتخاذ قرار الافراح عن المضرب عن الطعام كحالة ابو هواش الذي استمر اضرابه 141 يوم ، وقد يستمر الاضراب حتى استشاد الاسير وتكون اسرائيل ضربت معنويات ونضالات الاسرى بالصميم ،فافضل السبل لإنهاء ظاهرة الاعتقال الإداري برمتها، أن تحتشد كل القوى والفعاليات خلف رفض الاعتقال الإداري والتفكير في ماذا نفعل كي لا يصل الأسرى لمرحلة الخطر على حياتهم وما المطلوب كي لا نبقى متفرجين ككل مرة بدءا من اضراب العيساوي وانتهاءا بابو الهواش ،حتى تصل حياة الأسير المضرب إلى مرحلة الموت او فقدان وتعطل اجزاء من جسمه قبل أن يتحقق الزخم الشعبي والفصائلي، لقد جاء الوقت لوضع الاعتقال الإداري هدف في كل مكونات الشعب الفلسطيني لا يختلف عن هدف التحرر والاستقلال. المضرب عن اطعام هدفه حريته وهو رسالة بوضع العربة أمام الحصان ليضعنا امام مسؤوليتنا كقوى وجهات رسمية وفعاليات وطنية من اجل تصحيح معادلة النضال وخاصة فيما يتعلق بالاعتقال الاداري كي نعيد العربة خلف الحصان، أن الاضرابات الجماعية للحركة الاسيرة كانت عام منذ 1969 وحتى2019 بغض النظر عن النتائج،وبغض النظر عن اضرابات السجون منفردة،فلقد كان لدينا خلل في النضال الجماعي سواء داخل السجون الاسرائيلية او خارجها ، وهو أمر لم يتم النظر فيه إمن أجل تقييم التجارب السابقة حتى اللحظة، فالمطلوب نقاش موسع وجاد وكبير بحجم قضية الاسرى بين الفصائل الفلسطينية وعموم الحركة الأسيرة من أجل بلورة موقف جماعي متعلق بالإضرابات الفردية والجماعية سواء للمعتقلين الادارين أو للحركة الاسيرة ككل. لم يعد الشعب الفلسطيني يشتري الخطابات الرنانة وذات الكلمات المؤثرة بل يبحث عن شراء الخطابات المتصلة والمرهونة بالافعال، فالجسر بين نضال الاسرى الادارين وبين حريتهم مرهون بالعمل الجماعي لا الفردي رغم ما حققه النضال الفردي حتى الان من أسطرت النضال في سجون الاحتلال، وحتى لا نسمح لاسرائيل بالانتصار والاستمرار بسياسة الاعتقال الاداري علينا الشروع فورا بصياغة برنامج وطني للتصدي لسياسة الاعتقال الاداري من قبل كل مكونات العمل الوطني ومنظمات المجتمع المدني والحركة الاسيرة موحدين خلف هدف تحرير الاسرى ووقف الاعتقالات الادارية. بقلم :منُال فهمي زيدان:كاتب وباحث فلسطيني

البوابة 24