تراجع الهيمنة الأمريكية الكونية وبروز أقطاب جدد

بقلم: محمد جبر الريفي

من المعروف على صعيد الممارسة في السياسة الدولية ان الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت دائما تعارض أي دور سياسي هام في المنطقة يسجل لصالح اي دولة كبرى عظمى كروسيا والصين وكذلك الاتحاد الأوربي الذي أصبح قطبا سياسيا هاما على المستوى الدولي و له مصالحه الخاصة القارية النابعة من اهتمامه المباشر بقضايا الشرق الأوسط بسبب الماضي الاستعماري والجوار الجغرافي وهذه المعارضة لادوار هذه الأقطاب الدولية وخاصة للدور الفرنسي في الاتحاد الأوروبي باعتبار فرنسا كقوي عظمى في العالم وعضو دائم في مجلس الأمن ولها استخدام حق الفيتو ثم انها دولة ليست غريبة عن المنطقة بحكم ماضيها الاستعماري في المشرق والمغرب العربيين وهي منذ بعيد بخلاف الدول الأوروبية الأخرى تتطلع بالقيام بدور سياسي في المنطقة خاصة في موضوع الصراع العربي الصهيوني أسوة بدورها السياسي والعسكري في بعض دول القارة الأفريقية هذه المعارضة الأمريكية لأي دور سياسي اوروبي خاصة الفرنسي او اخر غيره هي في الواقع تتوافق وتنسجم مع الرغبة الإسرائيلية في أن يبقى ملف التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي دائما محتكرا من قبل الدبلوماسية الأمريكية و تنطلق هذه المعارضة أساسا من وجود تعارض في المصالح الاقتصادية في النظام الرأسمالي العالمي بين الدول الأوربية والولايات المتحدة وكذلك نظرة واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتفكك المعسكر الاشتراكي وزوال حلف وارسو انها بعد هذه التغيرات الاستراتيجية هي القطب الاوحد في العالم غير المسموح بمنازعته و القادر أكثر من غيره من القوى الدولية الاخرى على وضع حلول للصراعات والأزمات الدولية غير أن المشهد السياسي الحالي على الصعيد الاقليمي والدولي لا يساير هذه الرؤية السياسية لواشنطن فبعد تلك المتغيرات الاستراتيجية على الصعيد العالمي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي شهدت الخارطة السياسية الدولية بروز اقطاب جدد في العالم و في مقدمة هذه الاقطاب روسيا الاتحادية بموقعها الجغرافي في شرق أوربا وعلى تخوم قارة آسيا وبتعدادها البشري وتاريخها الحضاري الغنية بالنفط والغاز ووريثة الاتحاد السوفييتي السابق في المقدرة العسكرية النووية وايضا من الاقطاب الجدد الاتحاد الأوربي الذي يجمع اكثر شعوب القارة الاوربية في صيغة اطار نظام سياسي واحد على الرغم من تاريخ هذه القارة المليء بالحروب بين قومياتها المتعددة وعلى الرغم ايضا من الخلاف بين مذاهب المسيحية الغربية فيها وكذلك القطب الصيني جمهورية الصين الشعبية العملاق الاقتصادي الذي يغزو بنتاجه السلعي الاستهلاكي أسواق بلدان العالم الثالث وكل ذلك البروز لفاعلية الاقطاب الجدد وحضورها على مسرح الأحداث الدولية كان سببا في تراجع الهيمنة الأمريكية على المستوى الكوني وكان فشل السياسة الأمريكية في تحقيق تقدم في موضوع التسوية في الشرق الأوسط هو نتيجة لهذا التراجع حيث لم تستطع الإدارة الأمريكية في عهد الرؤساء السابقين وبعد استفحال الأزمة المالية في ميزانيتها بسبب تكلفة الحروب التي خاضتها في احتلال أفغانستان والعراق استخدام اوراق الضغط على الكيان الصهيوني وكانت المساعي السياسية التي ترعاها منذ مدة طويلة جدا تقابل دائما بتعنت إسرائيلي مرده الى الإحساس الصهيوني التي تمثله حكومات اليمين المتطرفة المدعومة باللوبي اليهودي في الكونجرس بالضعف الأمريكي السياسي والاقتصادي على المستوي الدولي واستثمار الحالة الأمريكية بمزيد من المماطلة والمراوغة في عملية المفاوضات والتعجيل في هجمة الاستيطان والتهويد التي تجتاح الضفة الغربية ... هكذا تصبح هذه المرحلة مناسبة لقفل ملف الدور الأمريكي الاحتكاري للتسوية وعدم المراهنة على مساعي الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن بهدف احياء عملية السلام المتعثرة والتطلع بدلا من ذلك الى اي دور سياسي دولي آخر يتولى رعاية تسوية عادلة للقضية الفلسطينية أسوة بالأزمات التي تعيشها المنطقة كالازمة السورية والوضع في كل من ليبيا واليمن والتي تتضافر الأمم المتحدة وأطراف دولية اخرى للبحث عن طرق للوصول لحلول لها خاصة أن القضية الفلسطينية هي أم القضايا الدولية واكثرها أهمية لكونها بدون حل تشكل حالة عدم استقرار في المنطقة التي تزخر بالتعدد القومي والعرقي والطائفي وهي عوامل من شأن التناقضات في المصالح فيما بينها إنتاج المزيد من حالات التطرف وقد تكون الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام ترعاه الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واقامة الدولة المستقلة وإيجاد حلول للقضايا الجوهرية للصراع وهو المطلب السياسي التي تسعى لتحقيقه الدبلوماسية الفلسطينية في حراكها الدولي الحالي هو الامكانية الواقعية الأخيرة المتاحة و المتبقية الآن أمام مشروع التسوية السياسية وفيما لو فشلت هذه الامكانية وبقى1 الاحتلال الإسرائيلي قائماً والقضية الفلسطينية بدون حل عادل وشامل فإن الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة سيستمر لأجال طويلة ...س

البوابة 24