المجلس التشريعي وحماية الصحفي الفلسطيني

بقلم الصحفي: حمزة حماد

يقول المفكر البريطاني "أدموند بروك" في إحدى جلسات مجلس البرلمان البريطاني: هناك ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعاً. إن الواقع الفلسطيني يحثُ على أن يكون هناك حماية قانونية حقيقية للصحفي الذي يُعد "سلطة رابعة" بشكل فعلي أمام الدور البطولي والشجاع الذي يقدمه خلال تأدية دوره المهني والوطني والإنساني، خاصة في القضايا التي تحمل همًا كبيرًا سواء من جانب الاحتلال أو الجهات الفلسطينية، حيث قدم دورًا أكبر من السلطات الثلاثة الأخرى التي تراجع دورها في واقعنا الفلسطيني بفعل الانقسام، ونتيجة غياب القانون كمدخل لحفظ الحقوق واحترامها.

خلال مسيرة عمله، يتعرض الصحفي الفلسطيني لانتهاكات جسيمة، وهذا يحدث في مختلف دول العالم بلا شك بما فيها الأكثر ديمقراطية وتقدمًا. لكن الذي يختلف في هذا الجانب هو أن الصحفي الفلسطيني لم يُعد محميًا في ظل الحالة الفلسطينية التي يسودها الاحتلال من جانب، والانقسام والمناكفات السياسية من جانب أخر، الأمر الذي يتطلب من السلطة التشريعية أن تقدم دورًا رياديًا وملموسًا في هذا الجانب. من الطبيعي أن يكون لدى السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) جانب استقلالي خلال تأدية أدوارها تجاه المجتمع، لا سيما التشريعية بشكل خاص لأهميتها في سن القوانين وتعديلها أو حتى إلغاءها والتي يجب أن تسير وفق ما يخدم المجتمع وتطوره، وتلبي احتياجاته ومتطلباته سواء من ناحية العدالة بين الأفراد أو منح الحقوق لجميع الفئات، إضافة إلى تسهيل عملية التنسيق والتعاون بين مكونات المجتمع بأكمله، وذلك وفق القانون.

مثلًا، في قوانين المجتمعات تكون الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص مكفولة، وإذا أردنا أن نخصص الحديث عن الواقع الفلسطيني، نجد كثير من هذه المواد القانونية يتم انتهاكها بكل سهولة نتيجة غياب مبدأ المحاسبة التي تضمن سلامة الفرد، وتعيد له حقوقه وتؤكد على نهج سيادة القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع إضافة إلى وقف كل أشكال المخالفات. ففي الباب الثاني من القانون الأساسي الفلسطيني المادة رقم (10) "حماية حقوق الإنسان" والتي تنص على احترام حقوق الإنسان وضمان حرياته الأساسية، مع ضرورة القيام بالانضمام إلى المواثيق الدولية، أما المادة رقم (11) والتي تُنتهك بأبسط الظروف والأحوال في مجتمعنا وهي "حق الحرية الشخصية" التي تؤكد على عدم المساس بالحرية الشخصية والمنع التام من تقييد حرية أي إنسان إلا بأمر قضائي، إضافة للمادة رقم (13) وهي "حظر الإكراه أو التعذيب" أي أن يتم معاملة أي متهم محروم من حريته بالمعاملة اللائقة، والمادة (19) التي تؤكد على أن لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه، والمادة (20) التي تنص على حرية الإقامة والتنقل، ناهيًا عن المادة (27) وهي حقوق وسائل الإعلام وحرياتها والتي تقول أنه لا يجوز إنذار أو وقف أو مصادرة أو إلغاء القيود على وسائل الإعلام إلا بموجب حكم قضائي، وهنا يمكن إضافة "مشروع الإعلان العالمي لحماية الصحفيين" وخاصة منه المادة رقم (2) التي تؤكد على أن الحق في الحياة مكفول لجميع الصحفيين والإعلاميين، والمادة رقم (4) من نفس الإعلان التي تنص على تعزيز مناخ آمن وداعم للصحفيين يساعدهم على أداء عملهم باستقلالية.

إن هذه المواد القانونية التي ذكرت في القانون الفلسطيني والعالمي أيضا تؤكد على أهمية القانون في تشكيل الحماية لدى الصحفيين خلال ممارسة عملهم، الأمر الذي يُعزز من عملية التهيئة لدى المناخ الحالي الذي يعيشه الصحفي الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة، خاصة في ظل ما شاهدناه خلال السنوات الماضية الأخيرة من عمليات اعتداء مرفوضة جملةً وتفصيلا. بحسب المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) نلاحظ أن حجم الاعتداءات على الصحفيين والحريات الإعلامية تأخذ نسب متفاوتة بين الأعوام الماضية القريبة، ولا شك أن النسبة الأكبر منها على يد الاحتلال الإسرائيلي، لكن في هذا الموضوع نركز على ما هو فلسطينيًا لضرورة البحث عن سُبل الحد من تزايد هذه الاعتداءات بما يوفر المناخ الذي يدعم حرية وحماية الصحفي، لذلك نجد أنه في العام (2021) رُصد نحو (562) انتهاكًا ومنها على أيدي فلسطينية (123) انتهاكًا أي بنسبة (23%)، وفي العام ((2020 وثق (408) انتهاكات ومنها (96) انتهاكًا على أيدي جهات فلسطينية أي بنسبة (24%)، أما عام (2019) بلغت الانتهاكات (678) انتهاكًا ومنها على أيدي فلسطينية (200) انتهاكًا أي بنسبة (29%)، وفي عام (2018) وثق (584) انتهاكًا ومنها على أيدي جهات …

البوابة 24