ابي علمني ركوب البحر في عزّ الشتاء.... وصعود الجبال في منتصف الظهيرة
بقلم :- منى الفارس
أبحث عن موطىء قدم لي في زِحَام العالم والتاريخ والتحولاّت العاصفة . أصعب شيء ، هو كيف تحقّق نفسك على نحو خاص وسط هذا الزِّحام . عندما كنت صغيراً ، كنت أجرؤُ على أن أكتب ولم يكن عندي معرفة بكل ما أقوله بالصوت والايقاع . طفولتي الشقية الفرحة لم يكن لها قصيدة معرفيّة تسبقها .
كنت أحب الموسيقى والغناء والشعر ، وكان والدي يحب الموسيقى والمطالعة والحديث في السياسة . كنت استمع إليه وأحلم بأن أشاركه يوماً وان اصل لحد الجرأة التي كان يتصف بها في الحديث في السياسة الى حد الجرأة ذاتها ا . ثمّ بدأت أقلّده ما استطعت فقلدته في المطالعة واقتناء الكتب النفيسة ولم اصل للحد ذاته وقلدته في المواظبة على سماع ام كلثوم ولكني لم اصل للحد ذاته وقلدته للخوض في الشان السياسي ولكني اسفة يا والدي لم اصل للحد ذاته التي كنت تتصف به فاتجهت للكتابة لاخلق لي مساحة اعبر من خلالها عما يجول في جواريحي ولكني اسفة واعتذر لك يا والدي لاني لم اصل لمستواك من الجرأة والتمسك بحقي واشيائي، فالانثى في زماننا تتصف بالجبن والخجل والموارى وراء الحائط انا ورفيقاتي من الاناث مسموح لنا ان نتكلم من وراء حجاب وندفع ثمن كلماتنا أثماناً غاليا تكون من سمعتنا وسمعت عائلتنا حتى لو تكلمنا كلاما منطقياً ومهذبا ونتناولنا مواضيع اخلاقية او سياسية او اجتماعية فنحن احيانا نتهم بالتمرد او الغرور او الامبالاة وتعدي الخطوط الحمراء ويصل اعلا سقف التهديد نهدد للاعتقال او الابتعاد عنا وعدم الاختلاط بنا ونبذنا.
في مجتمعنا الرجل الشرقي يعجب بالانثى القوية ولكنه يخاف منها ويحرص ان لا تكون من رعاياه . فاكتفيت يا والدي بالحديث من وراء حجاب والاعارة والتشبيهات واختيار الالغاز والرسائل المبهمه لعلي اجد في الاذكياء من يستوعب رسائلي. وافكاري وأجد اذانِ صاغية. رغم وصولي لهذا العمر ، ورغم هذا الطريق الطويل التي زحفت بفيه، ما زلت أتوه بين الهواية والحرفية في الكتابة، فبقيت هاويةً ولست محترفة في التعبير . فالاحتراف يحتاج الى ملمع والملمع لا يقبل ان يلمع دون عائداً معنويا او ماديا. أنتبه اليوم في ذكرى ميلادي إلى قيمة الوقت أكثر من أيّ زمن مضى ، كل يوم يمرّ من غير أن أعمل فيه ، يُشعرني بإحباط شديد . علّمني العمر أن أحسب الوقت بدقّة بحثاً عن انجاز جديد في حياتي ، ابحث عن الكتابة المتحررّة من عبء القيود والخطوط يكفي انها تصدر بناء على نبض صادق .
هكذا بتّ أسعى إلى البحث عن الجوهر والعمق في الأشياء وصدق التعبير ، بحثاً منا عن مساعدة وحلول لكل معاناة يواجهها مستضعيفن من ابناء شعبنا لا حول لهم ولا قوة سوى يدِ يلوحون بها طالبين الاستغاثة . لم أكتب بعد كل القصص والحكايا التي أحلم بكتابتها ، تصن بها أذناي وانا اضع راسي على وسادتي ، وعندما أصحو تَفِرُّ منّي ، وتضجّ أذني بصمت صارخ إلى ما لا نهاية . أليس في الكتابة احيانا عبثاً وصراخاً لا ينتهي ؟! فهل أصدّق ايقاع كلماتي المصنوع من قلم خشبي او قلم حبر او كبسات تصدر من لوحة مفاتيح جهاز كلا سواء المهم ولادة الكلمات بعد صراع داخلي تنبثق وترى النور . بعدها أعود إلى قاموسك يا ابي الذي علمني ركوب البحر في عزّ الشتاء ، وصعود الجبال في منتصف الظهيرة وسابقى أكتب..."