بقلم: محمد جبر الريفي
قرب شاطئ بحر غزة .الناعم وففت أتابع الأمواج القادمة في ارتطامها بالصخور، طيلة ساعات ظهر أمس بقيت في تلك البقعة الصغيرة، الهواء يأتي بارداً فيشيع في وجهي حيوية، هناك تركت لأفكاري أن تحتضن التاريخ يوم جاء نابليون إلى هذا الشاطئ، حاصر عكا طويلاً لكنه لم ينتصر، رجع من هذا البحر ولم يتخلص بعد ذلك من عبء الهزيمة كلما جاءت موجه من بعيد وارتطمت بالصخور وفردت نفسها على رمال الشاطئ كلما أمعن في اختطاف التاريخ، كان عليّ أن أعرف أن هذا المخزون من الذاكرة ليس لي وحدي، أرى البحر الكبير بزرقته الصافية قريباً جداً مني، يحدثني بحق وأنا أناجيه، أمد قدماي فوق رمال الشاطئ الناعم وألمس بيدي مياءه المالحة، يبتسم كل منا للآخر بفرح، قالت لي موجة وهي تدفن رأسها في حضني: ألا تذكر بيروت والسفينة " أيتها الموجة الهادرة التي تستمدين شجاعتك من عودة الذاكرة.. لماذا تريدين مني أن أعود إلى سنوات الوجع الفلسطيني "...، يوم حاصر الإسرائيليون بيروت، كانت القذائف تنطلق من هذا البحر، لم يستطع أحد وقتها أن يقترب منه، اختفت السهرات التي كانت تزينها فحمات الأراجيل، صار البحر حزيناً، يومها جاءت السفيتة الفرنسية، رآها الناس من التلال المحيطة، لم أكن أعرف أن صديقي عبدو سيرحل من بيروت، سيخرج من الحصار ببندقيته الروسية.. . . في تلك اللحظة من مناجاة البحر تطلعت حولي فإذا بالشمس ما زالت تحتفظ بوهج شعاعها وما زالت موجة وراء موجة تقترب، أتابعها بعيني في صمت قبل أن تصل إلى الشاطئ، وفي كل ذلك الوقت كنت شاهداً على اندفاعاتها، أخذت الموجة الأخيرة التي تابعتها تتمهل في قدومها، لم تسرع نحوي لتستلقي باسترخاء فوق الرمال كما هو حال الأمواج الأخرى الماضية ، لقد أخذت تنتظر أمواجاً قادمة، لقد تفاجأت حقا وأنا أراها وقد غدت موجة كبيرة هادرة لم يستطع البحر أن يوقفها، كانت تنظر إليّ بعينين براقتين وكأنها شاهد عيان على ما حدث في هذا البحر قبل سنوات فأسألها بهدوء حين هدأت: ما بك؟ فتقول بلهجة ودودة وقد رسمت على وجهها نظرة أسى وحزن: أتظن أنني أستطيع أن أنسى أسطول الحرية الذي قدم لفك الحصار عن قطاع غزة وهي تهاجمه البحرية الإسرائيلية؟ أيمكنني أن أفعل ذلك؟ عندما انتهت من قول هذه العبارة كانت الشمس قد خفت شعاعها وكانت ثمة أصوات طلقات رصاص إسرائيلية متتابعة باتجاه مراكب الصيادين تسمع في عرض البحر. ..
