بقلم: فادي أبو بكر
المعركة على جبهة القيم ومصطلحات الهوية الجنسية في الصراع الدولي لعل الأداة الثقافية والإعلامية تشكّل أحد أهم الأسلحة المستخدمة في الصراعات العالمية، لا سيّما الباردة منها، حيث تستند إليها الأطراف المتصارعة لصناعة المصطلحات وصياغة التعاريف، وتحويلها إلى خطوط مرجعية تسهم ببلورة نماذج تشكّل الرأي العام، و قوانين اللعبة السياسية. وتكمن خطورة هذه الأدوات، في أنها تسهم في تشكيل ما يعرف باسم الوعي الزائف، في حال غياب المواجهة والوعي بأهمية المواجهة. يتّخذ هذا المقال "مجتمع الميم" أنموذجاً، وهو اصطلاح يشير إلى مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي وللمتحولين جنسياً، خاصة في ظل ارتفاع أصوات هذا "المجتمع" مؤخراً، والتي باتت تحركات أعضاءه اليوم علنيةً أكثر من أي وقت مضى، بالتوازي مع ارتفاع البروباغندا الغربية التي تدّعي وجوب "تقبل الآخر" حول العالم. يمكن القول أن مجتمعات المثليين والمثليات قد بدأت في اختراق المجتمعات العربية اجتماعياً وسياسياً، ففي لبنان على سبيل المثال، طفت مشكلة المثليين على السطح، وازدادت فيها حدة الخلاف، وخرجت مصطلحات مثل الهوموفوبيا (الرهاب من المثلية)، ويقف إلى جانبهم حزب تقدّم اللبناني، ويدعم مطالبهم؛ هذا الحزب الجديد الذي تشكّل وسط حركة الاحتجاجات البنانية التي اندلعت في تشرين أول/أكتوبر 2019، ويعرّف نفسه بأنه حزب لا أيديولوجي ديمقراطيّ تقدّميّ يعمل للعدالة الاجتماعيّة والتّنمية المستدامة.
ولا يقف الأمر عند لبنان وحدها، التي لا يمكن إغفال تأثير إرث الاستعمار الفرنسي فيها، فهذه المشكلة قد دخلت مختلف المجتمعات العربية، مع تفاوت في درجة انتشارها وتأثيرها ما بين دولة وأخرى. وفي سياق التوظيف الاستعماري، فقد استغّل الاحتلال الإسرائيلي قضية المثليين من أجل الترويج لـ "إسرائيل"، من خلال إنتاج أفلام تصوّر الواقع الصعب الذي يعيشه المثليين في فلسطين، في مقابل الملاذ الإسرائيلي وفضاء الحرية الذي يوفّرها الكيان الإسرائيلي لهم ولممارساتهم المثلية. وينظّم الاحتلال بشكل دوري مهرجاناً دولياً للأفلام المثليّة الإسرائيلية، في استغلال واضح لهذه القضية، كآلية للبروباغندا الإسرائيلية، التي تصوّر من خلالها "إسرائيل" نفسها حامية للمثليين، وتمرّر رسائل سياسية خبيثة لعلّ أهمها تشجيع خيار اللجوء إليها أو "الترانسفير" الاختياري لخارج فلسطين.
كما ونقلت القوى الغربية المهيمنة هذه القضية على طاولة الأمم المتحدة، في محاولات لفرض البروباغندا الغربية على العالم الشرقي، حيث طرحت الأمم المتحدة في كانون أول/ ديسمبر 2021، مشروع قرار بعنوان "تعزيز دور الأمم المتحدة في تشجيع إرساء الديمقراطية وزيادة إجراء انتخابات دورية ونزيه"، يحتوي على فقرة تتعلّق بوجوب الإعتراف بحق المثلية الجنسية. إلا أن مسودة القرار جوبهت بالرفض من قبل المملكة العربية السعودية، وروسيا وعدد من الدول الأخرى، فيما وافقت عليها تركيا التي يحكمها حزب إسلامي !.
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بداية عام 2022، وما تبعها من احتدام التنافس والصراع بين المعسكرين الروسي والغربي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب ألقاه في مراسم توقيع معاهدات انضمام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومنطقتي خيرسون وزابوروجيه إلى روسيا التي عقدت بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر 2022 في الكرملين أن "فكرة الجنس الثالث غير مقبولة بالنسبة لنا".
ويطلق بوتين بهذه التصريحات إشارة الإنطلاق لمعركة موازية على جبهة القيم ومصطلحات الهوية الجنسية في الصراع الدولي، وهي ساحة اشتباك لا تقل أهمية عن الساحات الأخرى، كون تأثيرها يطال المساحات الاجتماعية والثقافية والسياسية على حدٍ سواء، وقد يجد فيها ضالّته في إيقاظ الإستقطاب الثقافي وإعادة إحياء المواجهة الشرقية للبروباغندا الغربية.
