ما بعد قرار إحالة "الاحتلال"
إلى محكمة العدل الدولية
كتب/ عمر خلوصي بسيسو*
بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإحالة قضية "انتهاك إسرائيل المتواصل لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واحتلالها طويل الأمد واستيطانها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس، إلى محكمة العدل الدولية لتقديم رأي استشاري قانوني بشأن الأثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة" أي (فتوى قانونية من المحكمة حول ماهية أو "المعنى القانوني للاحتلال الإسرائيلي المتواصل للضفة الغربية والقدس الشرقية وان تقرر ما إذا كان يُعد خرقا للقانون الدولي أو جريمة حرب" وهو ما قد يقود لقرار قانوني بوجوب إنهاء هذا الاحتلال ومطالبة جميع الدول بالعمل معاَ لتنفيذه).
جاء هذا القرار نتيجة لتحرك فلسطيني بدأ قبل 5 سنوات... لكن العبرة فيما هو أت خاصة وأنه سبق لهذه المحكمة أن قضت قبل أكثر من عقد من الزمان بأن "إقامة إسرائيل لجدار الفصل في الضفة الغربية ليس قانونياً؛ لأنه يخرج عن أراضي "دولة إسرائيل" التي حددتها المحكمة بخط الرابع من حزيران 1967"، ولقرار جديد محتمل من المحكمة في "أن الاحتلال الإسرائيلي يشكل جريمة حرب" تأثيرات ومفاعيل بعيدة المدى إذ يمكن توظيفه مع جملة القرارات والتقارير الدولية وأخرها تقرير منظمة العفو الدولية، أمنستي، التي أعلنت أن "إسرائيل" دولة فصل عنصري تدير نظام اضطهاد عرقي ضد الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، لفرض عقوبات اقتصادية جادة وفرض حصار عالمي عليها وتجريم التعامل معها.
والعبرة هنا ليست في بيانات التنديد والتلويح باللجوء لمجلس الأمن، بل في بلورة خطة تحرك سياسية فلسطينيٍة شاملة يرافقها فعل مقاوم وفق برنامج وطني متفق عليه بين جميع الفصائل في إطار منظمة التحرير ويستند إلى:
- تمسك السلطة الوطنية ومنظمة التحرير بـ "متابعة المسار القانوني الدبلوماسي بدون أي تباطؤ أو مساومة أو تأجيل.
- وضع خطط لتعزيز الصمود الوطني الفلسطيني وبناء شبكة دعم واسناد عربية إسلامية وصديقة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية.
- تحليل خارطة التصويت وقراءته سياسياَ ودبلوماسياَ، وسؤال الدول التي صوتت ضد هذا القرار القانوني (26 دولة)، وتلك التي امتنعت عن التصويت (53 دولة)/ سؤالها فلسطينياً وعربياً عن دواعي هذه المواقف المانعة لإجراء قانوني منسجم مع كل الأعراف والمواثيق والقوانين والشرعية الدولية.
- وضع استراتيجية تحرك سياسي دبلوماسي وخطة عمل إعلامي دولي يوظفان إمكانات السفارات والجاليات الفلسطينية والعربية الداعمة في العالم.
- توحيد الموقف والرسالة السياسية في لغة الخطاب الإعلامي الفلسطيني، والزام مختلف المتحدثين بها على كافة المستويات، مع توظيف الفهم الإعلامي لطبيعة المستقبلين والوسائل.
- تفعيل خطة تحرك قانوني لتنفيذ ما أعلنه الرئيس محمود عباس أمام القمة العربية والخاص بتحميل بريطانيا المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والأخلاقية عن نكبة الشعب الفلسطيني و"وعد بلفور ومسلكيات سلطة وقوات الانتداب البريطانية الداعمة للحركة الصهيونية وخطط تهجير يهود العالم إلى فلسطين وتسليح العصابات الصهيونية ودعمها في حربها لتهجير الفلسطينيين ونزع سلاحهم والتنكيل بتحركاتهم ومقاومتهم للعصابات الصهيونية.
وعلينا العمل الجاد على تحركات حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة بفاسديها ومجرميها ومتطرفيها، خاصة وكلنا تابع وصف رئيس حكومة الاحتلال الأكثر فاشية في التاريخ، القرار الأممي، بأنه "حقير"، وقوله إنه "لن يكون ملزما للحكومة الإسرائيلية"، و"أن الشعب اليهودي، حسب وصفه، ليس محتلاً لأرضه ولا محتلاً لعاصمته الأبدية القدس"، ووصف السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، غلعاد إردان الأمم المتحدة بأنها "مسيسة ومفلسة أخلاقياً وأي قرار تتخذه هيئة قضائية/ محكمة العدل الدولية تتلقى تفويضها منها غير شرعي تماماً".
إن الرد على جريمة الاقتحام الغادرالذي قام به الوزير الصهيوني المتطرف/ إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى يكون بتوحيد البيت الفلسطيني لا الرهان على الأوروبيين والأميركيين، فما قام به بن غفير بالتنسيق مع نتنياهو وموافقة الشاباك ومفوضية الشرطة وحماية الجيش في الأقصى صباحاً جاء تنفيذاً لبرنامج الحكومة الجديدة ونصة: أنه "يوجد للشعب اليهودي حق حصري غير قابل للتصرف على كل مناطق أرض إسرائيل. وستدفع الحكومة قدماً وتطور الاستيطان في كل أرجاء البلاد - في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة/ الضفة الغربية".
حقيقة لا يمكننا الرهان على جو بايدن لوقف طموحات نتنياهو، لأن ما تريده إسرائيل في المسجد الأقصى مرحلياً هو/ أولاً، ان الوضع الراهن في المسجد الأقصى (الستاتيسكو) لم يعد مقدساً، وثانياً، الا يكون هناك أي قيد على زيارات اليهود الى الحرم وان تستمر حسب زعم الإعلام العبري الصلوات الصامتة هناك حيث تتم في الجانب الشرقي من الحرم تحت رقابة وإذن الشرطة منذ خمس سنوات.
أما الهدف النهائي المعُلن لوزراء اليمين القومي والديني المتطرف في الحكومة وبينهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش فهو إقامة "الهيكل الثالث" على أنقاض المسجد الأقصى!
مقاضاة بريطانيا/ وعد بلفور
بداية التاريخ المشؤوم
يقول نص وعد بلفور بتأسيس وطن لليهود في فلسطين:
وزارة الخارجية / المملكة المتحدة
في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح". المخلص..آرثر بلفور
تقاسم تركة الأمبراطورية العثمانية
قبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها ويتقاسم المنتصرون فيها تركة الإمبراطورية العثمانية، سارع وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1917 إلى كتابة رسالة إلى المصرفي البريطاني وأحد زعماء اليهود في بريطانيا البارون روتشيلد.
وتزامن الوعد، مع احتلال بريطانيا، لكامل أراضي فلسطين التاريخية خلال الحرب العالمية الأولى، وبعد مرور عام، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتها عليه، لتتبعها موافقة أمريكية رسمية عام 1919، ثم لحقت اليابان المهزومة بالقرار في ذات العام.
وخلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1917- 1948)، ساهم هذا الوعد وشجعت بريطانيا يهود القارة الاوروبية على الهجرة الى فلسطين في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث كانت القارة تشهد صعودا للتيارات القومية المعادية لليهود، وعملت قوات الانتداب على تنظيم المهاجرين في فلسطين وتقديم الدعم لهم لتأسيس "دولة إسرائيل" وهو ما تم بعد 31 عاما، أي عام 1948، تطبيقاً للوعد بإقامة "وطن لليهود".
ارتكبت القوات البريطانية خلال فترة انتدابها عددا من المذابح، وقمعت الثورات الفلسطينية عام 1920، وثورة البراق عام 1929، وثورة القسّام عام 1935، والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936. وأعلن البريطانيون إحالة قضية فلسطين إلى الولايات المتحدة رسميا في 2 أبريل/نيسان 1947، على أن تستكمل توصيات الجمعية العامة بشأن الحكم المستقبلي في فلسطين"، فأنشأت الجمعية العامة لجنة خاصة أسمتها "اليونسكوب"، خرجت بخطة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، على أن توضع القدس تحت الوصاية الدولية، مع إنهاء الانتداب البريطاني.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني آرثر جونز قرار بريطانيا بإنهاء الانتداب على فلسطين في 15 مايو/أيار 1948، وأعلنت المنظمات الصهيونية قيام "إسرائيل"، بعد أن تم تهجير قرابة 950 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم.
ولكل هذا يتعين تحميل بريطانيا المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والأخلاقية عن نكبة الشعب الفلسطين بكل تبعاتها.
قبول العضوية المشروط
لعبة أمريكية تتواصل فصولها
إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم المؤسسة بوعد غير شرعي هو وعد بلفور وبقرار تقسيم صاغه المنتصرون في الحرب العالمية، وقبول عضوية مشروط صيغ ومرر بتحايل أمريكي على شروط ومتطلبات المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة بشأن أحكام العضوية وأبرزها أن تكون دولة بالمعنى القانوني المعروف في القانون الدولي، ووجوب أن تكون ذات "حدود محددة ومعروفة" وأن تكون محبة للسلام، وملتزمة بالقانون الدولي وأن تتعهد الالتزام بها، وهو ما لم ينطبق على "إسرائيل" لكنه تم تمرير الطلب بإرفاق فقرة شرطية طرحتها تشيلي للتغلب على الرفض الأمريكي لاقتراح لبناني يدعو الجمعية العامة إلى إرجاء قبول عضوية (إسرائيل) إلى أن تعلن بوضوح حدودها وفق قرار التقسيم وقبولها تدويل القدس، وإعادة أو تعويض اللاجئين، لكن الاقتراح رُفض أمريكياً، وعارضته 25 دولة فاقترحت تشيلي صيغة معدلة لمشروع القرار تتضمن إدخال فقرة شرطية تنص على: أن مجلس الأمن، إذ يشير إلى قرارات 29/10/1947 و11/12/1948 والقرار رقم 194(د-3) بخصوص حقوق اللاجئين، وإذ يأخذ علما بالإيضاحات والشروط التي قدمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة الخاصة بشأن تطبيق القرارات سالفة الذكر"، وهو ما قبلته الولايات المتحدة وهدفها إدخال (إسرائيل) إلى الأمم المتحدة بأي ثمن.
وهكذا تقرر قبول عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة بتأييد 37 دولة ومعارضة 12 دولة وامتناع تسع دول عن التصويت. وهكذا أصبحت (إسرائيل) بدءاً من 11/5/1949 العضو التاسع والخمسين في الأمم المتحدة واستمر "التحايل الأمريكي" منذ ذلك الحين ومازال في مختلف المواقف والظروف!
كان قبول (إسرائيل) في الأمم المتحدة أول قبول مشروط باحترام قرارات الأمم المتحدة الخاصة الخاصة بالتقسيم، وبحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتعويض عليهم، غير أن (إسرائيل) لم تف بأي من هذه الالتزامات، بل على العكس، فلا هي احترمت حدود التقسيم وشروطه، ولا هي أقرت أو تقر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة والتعويض، ورغم هذا كله لم تساءلها الأمم المتحدة عن خرق شروط العضوية، وإمعانها في انتهاك التزاماتها بموجب الميثاق، وهو ما يبرر من الناحية القانونية فصلها من الأمم المتحدة عملاً بالمادة السادسة منه، ولهذا يتوجب ملاحقة إسرائيل وتحميل الولايات المتحدة تبعات دعمها لإسرائيل
واعتداءاتها منذ إنشائها وحتى الأن.
إن مواجهة التحديات السياسية الكبرى،
على الصعيد الداخلي والعربي والإقليمي والدولي،
تتطلب مراجعة التجربة بجرأة وصدق ومسؤولية،
وتحتاج تغييراً جذرياً يشمل أساليب عملنا، وأدواتنا
وقبل كل شيء استعادة وحدتنا الوطنية كي نستطيع التأثير.
*الكاتب صحفي ومدير تحرير ومسؤول سابق للإعلام الخارجي.
البوابة 24