بقلم: جلال نشوان
عندما تنتكس الفطرة وتنقلب على أعقابها ، وعندما يصبح الأبناء مصدراً للخوف والرعب والتدمير لأبائهم ، وحينما نرى أبناء يُقدِمون على الإيذاء المتعمد الجارح مادياً ومعنوياً لأبائهم ، وحين يزداد الطين بلة وتصل الطامة الكبرى إلى أن نسمع ألفاظاً جارحة حقيقية متعمدة من الأبناء لآبائهم القضية ياسادة ياكرام في منتهى الخطورة بعض الأبناء ممن يمتلكون ألسنة ملوثة مجرمة توبخ الآباء ، وهذا من قسوة الزمن الذي وصلنا إليه فمهما كان مبررهم إن كان لهم مبرر من الأساس حينها ندرك يقينا أننا نسير بخطى مسرعة إلى الهاوية وندرك أن بعض الأسر تحتاج إلى جهد خارق من المربين والعلماء ليتداركوا ما تبقي للأمة من أخلاقها وقيمها ومبادئها . وهنا اقصد القلة القليلة من الأبناء الذين ينثروا من ألسنتهم بشاعة الكلام حمدت الله جل شأنه أن مجتمعنا الفلسطيني يعج بالأبناء البارين بإبائهم لكنني عندما شاهدت وسمعت شاباً في ريعان الشباب ينهر أباه ، اقسمت أن أتطرق لهذا الموضوع أيها الأبناء: انثروا جميل الكلام لإبائكم وأضيئوا أرواحهم بحلو الكلام كم من كلمة رقيقة وجميلة ، أزاحت هماً ، وبددت حُزناً ، وشرحت صدراً ، فالكلمة الرقيقة تنتشل نفساً أرهقها الزمن لأن لين الكلام والتلطف فيه واحد من أهم الأمور التي تعمل على إثراء الحياة الأسرية وإشاعة الحب والمودة والدفء بين أفرادها، ومن الواجب على كل فرد من أفرادها ، سواءً أكان الزوج أو الزوجة أو الأبناء أن يحنو على بعضهم البعض، وأن يوجهوا الكلمة الطيبة بإستمرار. وهنا أمرنا الله جل شأنه بالرأفة بالآباء والأمهات (ووصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ... " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ .... وقال وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ... , لكنه في الوقت نفسه لم يوصه على أبنائه بنفس الوصية في أي موضع في القرآن الكريم فلم ترد فيه آية واحدة بنفس اللفظ , والآية الوحيدة التي أوصت الآباء على أبنائهم كانت في الحقوق المادية قبيل مفارقة الحياة بالعدل بين أبنائهم في قسمة ما تركوه من أموال وذلك باتباع منهج الله فيها وعدم مخالفة أحكام الشرع في أحكام المواريث بدافع الحب او البغض للأبناء , فقال سبحانه " يوصيكمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .. ولم ترد وصية أبدا في حب ورعاية الأبناء , وذلك لأن الانسان لا يحتاج في معاملة أبنائه إلى وصية فهي فطرة فطر الله عليها الناس بل كل المخلوقات ولا تحتاج إلى مُذكر يذكر ويوصى بها إن عددا غير قليل من أبناء الأمة يعانون من استخدام آبائهم أسلوب الضرب الشديد والمبرح والجارح والمهدر للكرامة كوسيلة عقابية أو تأديبية لا تخضع لقانون ولا تنظيم ولا هدف ولا يوجد لها حد اقصى تنتهي عنده , ومنهم من يستخدم يده وقوته ومنهم من يستخدم وسائل لا يستعملها إلا المجرمون في تعذيب ضحاياهم . فيروي بعض الأبناء أحداثا ووقائع تدل على غياب البعد التربوي في عملية الضرب وتدل على أن هناك شعورا خفيا بالانتقام منهم لا مجرد تقويمهم كما يزعمون فيقول أحد الضحايا شاكيا أنا شاب في العقد الثالث من العمر ومتزوج ، وزواجي ناجح والحمد لله . مشكلتي أن لي أباً متسلطاً مصراً على تحجيمي كلما كبرت أو صار لي شأن في الحياة. منذ صغري وهو يقسو علي ويطالني كل يوم بالتقريع وبالضرب في بعض الأحيان لسبب ودون سبب , وكثيراً ما كان يضرب أمنا أمامنا لأتفه الأسباب أيها الأبناء أضيئوا أرواح آبا ئكم بحلو الكلام فكم من كلمة رقيقة وجميلة ، أزاحت هماً ، وبددت حُزناً ، وشرحت صدراً ، ودفعت نفساً ، للأمام جودوا بجمال الكلام وعذوبته وأغيثوا نفوساً منهارة ، فمرحى لمن كان كلامه عذباً رقيقاً القضية ياسادة في منتهى الأهمية : للكلمة الطيّبة تأثير يفوق التصور، ولعظم وَقعها ضرب الله بها مثلاً: "كشجرة طيّبة أصلها ثابِت وفرعها في السماء" ما إجمل روحاً ، ينبثق منها الكلام الحلو ، الرقيق ، فالكلمة الرقيقة ، تنتشل نفساً ، أرهقها الزمن ، وأتعبتها قسوة الأيام وهي مثقلة في سراديب الأحزان تتلقاها كنفحة من عطر فواح، يقول جل جلاله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وهنا نتساءل : ماذا يخسر الآباء عندما يخاطبون أبناءهم بعذوبة وجمال ورقة ؟ أرأيتم أيها السادة الكرام أهمية الكلمة الحلوة الرقيقة إن أثرها و خيرها سيعمر طويلاً ، تتمر عملا صالحا كالشجرة التي تتمر ثمراً نافعاً، الكلمة الرقيقة تنتشل نفسا أرهقها الزمن ، وزاداً يحيي النفوس ويخرجها من غياهب الألم المتراكم على كاهل أحدهم الذي لا تعلم عمق الجراح الغائرة فيه التي تستكين فيه من منغصات الحياة الذي خلفها الخفاق المتكرر، اجعل كلمتك كلمة عطرة ، سامقة الفروع لا تزعزعها الأعاصير المتضاربة داخله ولا تحطمها معاول الهدم اجعل كلمتك تقارع اليأس والأحزان وكن جميلا ترى الوجود جميلاً الكاتب الصحفى جلال نشوان