الأدب بين جمال الكلمة وفلسفة المعنى

بقلم عاطف صالح المشهراوي
صحفي وكاتب إعلامي أكاديمي

لا شك أن مفهوم الأدب لم يعد مقتصراً على التعبير الجميل الذي يخلق به الكاتب الأديب عالماً خاصاً منعزلاً أو أسطورياً لتفسير بعض غوامض الكون تفسيراً احتمالياً، بل أصبح الأدب تفتحاً على كل ما هو أكيد في حياة الناس .

إنه يقودهم لمباشرة حريتهم ويدفعهم إلى أن يخلقوا في أعماقهم جدلا بين الخير والشر ..

أما الفلسفة، فلو حاولنا استقصاء مفاهيمها لأمضينا اتفاقية تمكث بمقتضاها سنة أو يزيد ولا تصل إلى مفهوم مضبوط، أنها الفضول الذي يتعلق بكل صغيرة وكبيرة في العالم غايتها لا معرفة الأشياء المادية كما تبدو لنا، بل ما وراء المادة، فالفلسفة لا تريد أن تعرف الزمن بل ما تحت الزمن وما وراءه وما هو ليس بزمان .

فكيف يمكننا أن نحقق اللقاء بين هذه الفلسفة وذلك الأدب؟ كيف يمكن أن يتحقق اللقاء بين عالم التعبير وعالم النقد؟ بين الواقع الاجتماعي والمطلق العقلي؟
ولنسهل الإجابة على هذه الأسئلة يجب أن نحلل أسئلتنا الرئيسية ونقول: ما اللقاء الممكن بين الأدب المقالي والفلسفة من جهة والأدب النثري والفلسفة من جهة ثانية ؟

لذا فإن موضوع اللقاء بين الأدب والفلسفة في الفكر المعاصر موضوعاً هاماً جداً، فإذا كانت خيوط الالتقاء بين الأدب والفلسفة متنوعة وعديدة، فما الذي يميز هذا اللقاء؟ وما هي ضرورته ؟

إن العصر الحاضر فاجأنا بكثير من المبادرات التي زعزعت كيان الإنسان، وبالتالي غيرت وضعه في الكون ونظرته وإيمانه وهواياته وكل صغيرة أو كبيرة تتعلق به .

إن أهم مبادرة من مبادرات العصر هي التقنية اعتمادا على اجتهادات العلم المعاصر ومكتشفاته، وأن العقل البشري يكاد يرهق من جراء ما تفاجأنا به التقنيات، بل حدث ما لم يكن بالحسبان، ذلك أن إيمان الإنسان بكل ما هو معنوي وروحي قد تزعزع وظهر في عالم الفكر معسكرات متصارعة أهمها معسكر المعنويات ومعسكر التقنيات، معسكر الدين والفلسفة والأدب والشعر .

هذه هي الأسئلة التي تتردد في أعماقنا، ولا نستطيع لها جوابا، وأن المستقبل غامض جدا، لأن كثيرا من معنويات الإنسان قد أعلنت الإفلاس، فهناك إفلاس في اللغة، افي الروح، وفي الفلسفة، وفي الخلق والأخلاق .

وإذا أردنا أن نكون واضحين فعلينا أن نوحد كل هذه التخوفات في سؤال واحد، هل باستطاعة التقنية المعاصرة أن تعوض الكلمة بالمخترع والرمز العلمي معلنة بذلك موت الفكر ؟

اللقاء اليوم بين الأدب والفلسفة، يمكن أن نصفه منذ الآن بأنه لقاء من أجل تأكيد أهمية الإنسان بالنسبة للكون، وهذا اللقاء لم يتخذ هذا المبدأ منذ القديم بل أخذ أشكالاً عديدة لا بد من أن نستعرضها ليتضح الموضوع في ذهننا .

إن كلاً من الأدب والفلسفة وغيرهما من الأمور المعرفية النظرية تشترك في قاسم رئيسي هو الذي أطلقنا عليه الكلمة أو المصدر بالمعنى اللغوي أو النحوي. والكلمة أو المصدر مصونان في وجودهما لأنه في البدء كانت الكلمة . 

في البدء كانت الكلمة بمعنى أن الأمر بالوجود كان عن طريق الكلمة، ذات المعنى الواضح، والصيغة المحددة، والكلمة المفهومة، والكلمة الرامزة، ولا يمكن أن يصدر أمر الخلق في كلمة عادية، إن كلام الآمر بالخلق، لا يكون إلا معجزاً ولا يكون إلا جميلاً بليغا، انه في البدء كانت الكلمة الحاسمة التي أعطت الوجود، وصيغته .

والوجود كظاهرة جميلة تعكس الكلمة الطيبة .

لا علينا الآن في مضامينه ومشاكله التي جعلت الحياة ضائقة في العصور الحديثة، فإذن مكانة الكلمة راسخة ولا يمكن أن تزعزعها التقنية أو العلم، والكلمة بالطبع عندما تدخل في الاستعمال الإنساني على مستوى الفكر تأخذ غالبا صيغة الأدب أو الفلسفة بفروعها كافة .

فإن تعريفات الأدب شهدت تطورات كبيرة انطلقت أولاً من مفهوم حسي عفوي، ومن الجذر في مقابل هذا السلوك بالكلام الجميل الطيب، فهو مادة للاستهلاك لنلبي رغباتنا في تزويد حواسنا بما هو جميل للمشاهدة أو السمع أو القراءة أو الذوق ..

ثم أخذ الأدب معنى إنتاجات لغوية يعتبر فيها جمال الصيغة التعبيرية ويكون هذا الإنتاج نثراً أو شعراً والنثر إما تأملاً أو قصة أو مسرحاً .

بقي لي أن أقول لكم يا أحبابي إن معظم المفكرين في عصرنا الحالي واجهوا هذه التعريفات العفوية بالاستفهامات العميقة، فهل يعني أن الأدب مجرد إنتاج ألفاظ جميلة منسقة؟ وهل الأدب هو مجرد تعبير لا يستطيع شيئاً أكثر من نقل أحاسيس شخصية ؟ ولماذا نكتب الأدب؟ ولمن نكتب وقد اهتم بهذا الموضوع عدد من المفكرين والفلاسفة الذين مزجوا بين أسلوب السرد الروائي واللغة الشاعرية من جهة، وبين اعتبارات السؤال والمقاييس الفلسفية من جهة أخرى .

البوابة 24