البوابة 24

البوابة 24

التنوع والتعدد في رسائل الأسير أسامة الأشقر

رائد محمد الحواري

 الرسائل كانت وما زالت أحد أهم المراجع التي توثق الحالة الاجتماعية والسياسية والثقافية للناس، فالتاريخ يذكر أن أول رسالة تلقاها سرجون الأكادي من أحد التجار يقول فيها أن قافلته تعرضت للسطو في جنوب تركيا مما جعله يرسل جيشا ليقتص لهذا التاجر، وهناك مراسلات تمت بين هاني بعل ومجلس شيوخ قرطاج التي تبين عقم النظام الحكم عندما لا يكون قادرا على تحديد مصادر الخطر التي تحيط بالأمة، وفي العصر العربي الإسلامي نتقدم إلى المراسلات التي تمت بين عمر بن الخطاب والولاة وكيف تعامل معهم، كما نجد في رسائل إخوان الصفا أهم وثيقة اجتماعية اقتصادية سياسية عن حالة المنطقة العربية في العصر العباسي الثاني. من هنا يمكننا القول أن أدب الرسائل من أقدم الأجناس الأدبية التي مارسها الناس قديما، وما الرسل والأنبياء الذين يحملون رسائل دينية إلا تأكيدا على قدم وعراقة أدب الرسائل. في العصر الحديث نجد مجموعة من الكتاب والمفكرين أرسلوا رسائل وتلقوا ردودا على ما أرسلوه، فهناك رسائل بين ماركس وإنجلز، وبين جبران ومي زيادة، وبين محمود شقير وحزامة حبايب، ورسائل جميل السلحوت وصباح بشير، إذا ما تتبعنا هذه الرسائل وغيرها سنجد غالبيتها كانت مقتصرة على شخصين فقط، لكن في رسائل "أسامة الأشقر" نجد مجموعة كبيرة جدا من الأشخاص تم الإرسال لهم وتلقي الردود منهم، والأشخاص المرسلة لهم الرسائل متعددي الاتجاهات والميول، فمنهم من له توجه نحو الصحافة، ومنهم نحو الأدب، وآخرين نحو السياسة، وغيرهم إلى الخدمة الاجتماعية، وهناك رسائل عامة إلى الشعوب العربية في الجزائر وتونس ولبنان ومصر والعراق والكويت والبحرين وغيرها، ورسائل أخرى مرسلة إلى ظواهر طبيعية، الشمس، البحر، وغيرها إلى كائنات حية إلى الفراشة. إذن نحن أمام تمدد واتساع في الجغرافيا والأشخاص والاتجاهات، وهذا انعكس على مضمون الرسائل، فالقارئ سيجد فيها مجموعة من الأفكار السياسية والاجتماعية والأدبية والإنسانية، وهذا ما يحسب لهذه الرسائل، فهي لا تقتصر على جانب بعينه، بل على عدة جوانب، وبما أن كاتبها أسير في سجون الاحتلال فإن هذا أوصل للقارئ فكرة أن قضية الأسرى جامعة وموحدة لنا في المنطقة العربية، وإلا ما أخذت هذه الرسائل هذا الكم من الأشخاص وهذه المساحة الجغرافية الشاسعة. هذا على صعيد المضمون، أما على صعيد الشكل الذي جاءت به الرسائل فهذا أمر آخر يحتاج إلى وجود روح قادرة على حمل ذلك المضمون وجعل المتلقي يشعر بحميمية بينه وبين ما في الرسائل من محتوى، وإلا فقدت هذه الرسائل القيمة العاطفية/ الروحية التي فيها، ومن ثم سينعكس ذلك مضمونها. الروح في الرسائل تحتاج إلى جسد لتحيا فيه، من هنا لا بد من وجود لغة أدبية قادرة على جذب القارئ وجعله يستمتع بما يقدم له، فإذا وجدت هذه الروح وهذا الجسد فإن المضمون/ الفكرة ستصل ويتفاعل القارئ معها وبحميمية. سنحاول تناول بعض ما جاء في رسائل "أسامة الأشقر" لنرى كيف أستطاع أن يتسع قلمه ليصل إلى كل من كتب لهم، وكف استطاع أن يُوجد علاقة روحية بينه وبين من كتب لهم، ونبدأ من عائلته، وتحديدا رسالته إلى أبيه التي جاء فيها: "وكنت بحاجة أكبر لأن أنظر في عينيك عندما قررت القيام ببعض العمليات الجريئة، وعندما سألتني في إحدى الصباحات عن وجود عملية في المستوطنة القريبة منا قلت لك: "سمعت" فكانت ابتسامتك كجبل بأكمله اتكأت عليه، فقد تيقنت حينها أنك ترعاني بقلبك الكبير، وأن روحك تحرسني" ص17، نلاحظ حرص "أسامة" على مشاعر الأب حتى عندما كان يقوم بعمل وطني/ قومي، نضالي بطولي، فهو يعي عاطفة الأبوة وكيف أن الأب يخاف/ يحرص على الأبن حتى وأن كان عمله بطوليا واستثنائيا، وهنا أوصل لنا المرسل/ الأسير فكرة البطش التي يمارسها المحتل ضد الفلسطيني بطريقة غير مباشرة، فالابتسامة التي وصفها "كجبل بكاملة اتكأت عليه" تعطي صورة العاطفة التي تجمع المرسل/ الأسير مع الأب، وتوصل فكرة الأب الذي يدعم ابنه بطريقة الإيحاء، وهذا له أثر أكبر وأكثر على الأبن "أسامة" من الطريقة المباشرة. ونجد البعد العاطفي والروحي من خلال ترعاني بقلبك وأن روحك تحرسني" فالقلب والروح أتت بشكل رمزي وليس بطريقة/ بصورة مادية، لهذا سيكون وأثرها على "أسامة" ومن ثم على المتلقي كبيرا وفاعلا ومؤثرا. وإذا ما أخذنا اللغة الأدبية والصورة التي جاءت بها الرسالة، نتأكد أننا أمام رسالة تجمع بين تقدمية المضمون وإنسانية المقاومة، وبين الشكل الأدبي المترع بالعاطفة والمشاعر، وهذا ما كان ليأتي إلا من شخص يحسن التعبير أدبيا عما يشعر به. أمّا في رسالته إلى أمّه فإنه يستخدم لغة أخرى، يقول في رسالته: "أكتب إليكِ وأنا في غاية الاحتياج إلى استشعار أنفاسكِ، أمي... مر على غيابي القسري عنكِ 19، عاما وأربعة أشهر وسبعة أيام وغياب صوتكِ عني فلطالما لاحقني صوتكِ القلق والمعترض والرافض لما أقوم به، كم أحتاج إليه اليوم في هذا الفقدان لكل شيء إلا من دعائك. أمي اليوم أستشعر كم كان حضنك دافئا وكم كان غضبكِ" ص19، إذا ما توقفنا عند ما جاء في هذه المقطع سنجد أن المرسل يحسب/ يعد ابتعاده عن أمه بالسنة والشهر واليوم، وهذا يشير إلى حاجته العاطفية لها، وهذا ما أكده في قوله: "وأنا في غاية الاحتياج...كم احتاج إليه اليوم في هذا الفقدان" فرغم أن المقطع يبدو ـ شكلا ضعيف الحميمية، إلا أن المرسل/ الأسير عوض/ استدرك هذا (الضعف) من خلال "حضنك دافئا." الرسالة الثالثة كانت لمخلصته ومنقذته من الأسر، إلى "منار" إلى المرأة التي نذرت نفسها لتكون خالصا له من دون الناس، فمنحته روحيا جديدة استطاع بها أن يعبر إلينا نحن القارئ. يتحدث "أسامة" عن بداية مشاعره تجاه "منار" بقوله: "فأنا لا أريد أن أظلمكِ بعدما وقفتِ إلى جانبي، وبذات الوقت أنا غير قادرٍ على التنازل عن حقي بكِ وبأن أعيش كباقي البشر، فأنتِ طاقة الحياة التي انفتحت أمامي مرة واحدة، ولا أريد أن أضيعكِ وأضيع هذه الفرصة ."ص22، اللافت في هذه الفقرة أن المرسل يتحدث عن حاجاته بطريقة إنسانية، فنجد النبل والشهامة حاضرة، حيث يرفض أن يكون سببا في ظلمها، في حالة اقترانها به، وهو المحكوم بثماني مؤبدات وخمسين سنة، وفي الوقت ذاته يريد أن يشعر/ يكون إنسانا عاديا/ طبيعيا/ سويا يمارس حياته كباقي البشر. المرسل (يبرر) تعلقه بمنار وحاجته إليها من خلال: "ولا أريد أن أضيعكِ وأضيع هذه الفرصة" وهذا الأمر يؤكد أن المرأة أحد أهم عناصر الفرح/ التخفيف التي يلجأ إليها الأدباء عند الشدة، فنلاحظ أن "أسامة" كان دقيقا جدا في تحديد دور "منار" في قوله: "فأنت طاقة الحياة التي انفتحت أمامي" فالمرأة أهم عنصر يلجأ له الأديب/ الشاعر، وهي من تمنحه القوة/ الطاقة على مواصلة الحياة وتجاوز بؤس الواقع، خاصة إذا كان أدبيا وأسيرا. واقعيا لم يرى "أسامة" "منار" ولم يقابها، وتعرف عليها من خلال الإذاعة التي أوصلت صوت منار له، من هنا كانت المعرفة (ناقصة) وغير مكتملة، فالصوت كن مقدمة ودافعا لأسامة لتعرف على صاحبة الصوت، يحدثنا عن هذا الأمر بقوله: "فممنوع علي حتى أن أرى صورتكِ، فانتظرت طويلا وطويلا جدا قبل أن تستطيعي تهريب تلك الصورة التي أنقذتني من خيالاتي وأوهامي اللامحدودة، فوضعت حدًّا لجنوني واستطعت أخيرا أن أتعرف بشريكة حياتي."ص23، الجميل في هذا المقطع أنه يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى مكانة المرأة ودورها، في حياة الأديب الأسير، فإذا كانت صورتها (أنقذت حياته) فكيف سيكون عليه الحال في حالة وجودها بكليتها أمامه؟ قلنا أن "أسامة يرسل رسائل إلى مجموعة كبيرة من الأشخاص والأشياء، منها رسالته إلى الشمس التي يقول فيها: "إليكِ سيدتي أخط كلماتي معلنا انحيازي الأبدي لاسمك الجميل وطلتك الأجمل، فكم من الآباء والأمهات أرادوا لفلذات أكبادهم اسما يليق ببهاء رباني كونه الله بعناية فاختاروا اسمك تيمنا بسموك وجمال مظهرك وعظيم فائدتك، باركك الله يا أم الكون ويا صاحبة السر الرباني المتواصل منذ انبثاق الفجر الأول ." ص37، نلاحظ أن النص مطلق البياض، بمعنى أن فكرة ضياء الشمس الجميلة تكملها الألفاظ البيضاء، فلا نجد أي لفظ قاسي أو شديد، وهذا ما يجعل المتلقي يشعر بالعاطفة التي يحملها "أسامة" تجاه الشمس، الذي أقرن جمال الفكرة بجمال الألفاظ، والتي زادت بهاءً عندما نسب ذلك الجمال إلى تكرار لفظ الجلالة الله، ومن خلال: "الرباني" ونجد امتداد وتواصل هذا البياض من خلال: "انبثاق الفجر الأول" كل هذا يجعل المتلقي يشعر أن الكاتب متماهي مع كتابته، إن كان على مستوى الفكرة أم على مستوى الألفاظ؟. أمّا عن الواقع العربي البائس فيرسل رسالة إلى "حاتم الطائي" جاء فيها: " بيننا ومع أبناء جلدتنا فلا تتعجب من أحوالنا، لا تتعجب أبدا إذا ما أحسنا إكرام الغريب بذات الوقت الذي نحسن فيه إذلال القريب ." ص40، فالمرسل يختزل حالنا البائس بأقل الكلمات وبطريقة ساخرة ولاذعة، والمفارقة التي أوجدها "أسامة بين أكرام الغريب جاءت بإذلال القريب، والتي من المفترض أن يقابلها (حرمان/منع ونهر القريب) وهذا الأمر زاد الواقع بؤسا، فالإذلال أشد وقعا من الحرمان/المنع. يستخدم "أسامة" السخرية كرفض لواقعنا، فيكتب رسالة لصديق "نزار" جاء فيها: " هذا لقاء آخر بيننا، لا أعلم إذا ما كنت قد سمعت أو أخبرك أحد أن بلادنا قد تحررت وأنها قد لفظت الغرباء من لحمها كما يلفظ الجسد الجراثيم، وأننا قد أقمنا دولتنا على كامل ترابنا الوطني، نعم نعم قد أقيمت دولة فلسطين ونحن الآن نصلي بالعاصمة المقدسة والمسجد الأقصى قبلة المسلمين من مختلف بقاع الأرض، وقد فتحت فلسطين أذرعها لكل أبنائها المهجرين والمبعدين وقد عادوا جميعا إلى قراهم ومدنهم المحررة، وهي الآن تحمل الأسماء العربية كما تمنيت أن تراها ولا أعلم إذا ما أخبروك أن إخواننا العرب الذين لعنتهم كثيرا في قصائدك قد آبوا ووقفوا وقفة رجل واحد، وها هم يزدادون عظمة أكثر من عظمة العباسيين في عز قوتهم. هم الآن القوة العظمى على وجه الأرض وقد دانت الدنيا كلها لهم، ولا تستغرب إذا ما قلت لك بأن اللغة العربية هي أهم لغات الأرض، وأنها اللغة الأولى في أهم الجامعات العالمية حتى أننا اخترعنا تطبيقات إلكترونية خاصة بنا والعالم يتوسل لكي يستخدمها بلغتنا نحن" ص58، الجميل في هذا التقديم أن المرسل/ الأسير يقربنا من أهدافنا/ أحلامنا، والمتمثلة بتحرير فلسطين وبإقامة (اتحاد/ وحدة عربية) ترفع من مكانة المواطن والوطن، وهذا الهدف شرعي وموضوعي، حيث أن له أسس وجذور تاريخية وأخرى واقعية معاصرة، فالعالم يتكتل حسب المصالح والجغرافيا والأهداف الوطنية والقومية، فمن حقنا نحن في المنطقة العربية أن نتقدم من جديد من تلك الأهداف التي ستغير واقعنا إلى ما نريد ونرغب. في رسالته إلى الحرية يتحدث "أسامة" عن الأسرى وكيف أن القليل من الحرية/ الحياة الطبيعية يكفي لمحو كل من واقع من قسوة وشدة على الإنسان جاء في الرسالة: " الجميل في هذا المقطع أن المرسل يثير قضية الأسرى في سجون الاحتلال، ويشير إلى الظلم الواقع عليهم، وإلى توقهم للحرية، وإلى أنهم استطاعوا أن ينتصروا على السجان والجداران ويتجاوزا واقهم/ كل هذا فعله "أسامة" من خلال هذه الرسلة ومن خلال هذا المقطع، وهنا تكمن عبقرية المرسل/ الأسير في إيصال الفكرة بأقل الكلمات وأجملها وأكثرها دقة. هذا العنفوان وهذا التألق نجده في مكان آخر، وبصورة أخرى مغايرة، فعندما يتم الحديث عن الشهداء تختلف اللغة، لكنها تبقى متألقة، جاء في رسالته إلى الشهيدات: " من هذا الحيز المكاني المسمى الخزنة أو ما اصطلح على تسميته سجن جلبوع وبرغم اتساع هذا السهل وخضرته النادرة، إلا أن المكان عاجز عن التنفس حد الاختناق، من داخل هذا الحصن الميت والفاقد لرائحة الحياة أرسل برقية تعزية واشتياق إلى الشهيدات رفيقات الدرب والأسر" ص74، نلاحظ ثقل السجن على الأسير من خلال استخدامه لمجوعة ألفاظ قاسية: "سجن، عاجز، الاختناق، الميت، الفاقد" كل هذه الألفاظ تعكس قسوة المكان/ السجن، وحالة الإنسان الفلسطيني الذي يُقتل على يد المحتل، فكان الألم مزدوج، ألم المكان/ السجن، وألم الفقدان الأحبة والأهل. في رسالته إلى الشاعر والروائي "أحمد أبو سليم" يتحدث فيها عن "منار" ودورها فيما وصل إليه "أسامة" من مكانة أدبية وإنسانية فقضية الأسرى تبقى متقدة ما دام هناك من (يدق الخزان) فما بالنا عندما يكون هؤلاء الأسرى هم كتاب وأدباء وشعراء. جاء في الرسالة: "يترعرع في لحظة تجف فيها كل منابع الحب والعشق، فكانت منار الضوء المقترب من بعيد والشعاع المنطلق محلقاً في الأعالي، فبصمتها في إيصال صوتي وكتاباتي ومشاعري وصلت لأقاصي الأرض ولأنحاء المعمورة، وهذا هو انتصاري المزدوج الذي أفخر به والذي يجعلني حراً رغم الأسى والسجون والعمر الذي يمر بسرعة في زحمة الأحداث والأزمان، هذا انتصاري الذي يؤكد كل يوم حبي الذي يزداد رسوخاً وتجذراً في أعماق الروح التي يعظم أكثر تشبثها بالأمل والحرية والسعادة" ص112، نلاحظ أن فكرة الأمل والحياة حاضرة وبقوة في هذا المقطع، فعدد الألفاظ البيضاء يتفوق على تلك السوداء، والتي جاءت محدودة: "تجف، الأسى، السجون، زحمة" بينما بقية المقطع جاء بألفاظ وفكرة بيضاء تحمل الأمل بالحياة والرغبة بها. وإذا ما توقفنا عند ما جاء في المقطع نجد أن "أسامة" يجمع عناصر الفكرة مجتمعة، والتي تتمثل في المرأة: "الحب، العشق، منار، حبي" والطبيعة: "الضوء، والشعاع، الأعالي، الأرض، والكتابة التي نجحدها في: "كتاباتي" والتمرد الذي جاءت من خلال فكرة الرسالة وأيضا في استخدامه لعبارات وألفاظ تمثل تمردا ثورة على واقع السجن والأسر: "منابع الحب، الضوء المقترب، والشعاع المنطلق، محلقا في الأعالي، انتصاري المزدوج، يجعلني حرا، حبي يزداد رسوخا، تشبثا بالأمل والحرية والسعادة" فاجتماع هذه عناصر الفرح كاملة ما كانت لتكون دون حضور وأثر "منار"، ودون دور الشاعر "أحمد أبو سليم"، فكان أثر المرأة/ منار وأثر الكتابة/ أحمد أبو سليم مفتاح لحرية الأسير "أسامة"، وانطلاقته في رحاب الحرية والحياة السوية. أما الردود على رسائل "أسامة" فسنأخذ نموذج محلي "شفيق تلولي" الذي رد على رسالة "أسامة": "إنه لعظيم الشرف أن أكون من أولئك الكتاب الذين تحرص على متابعتهم وقراءة ما تجود به ملكاتهم في مختلف المناحي الحياتية نصرة للإنسان والقضية، وكم أسعدني أن تخصني بهذه الرسالة ولا أبالغ إذا ما قلت لك أن رعشة أصابتني وانتابتني نوبة من القشعريرة وأنا أتنقل بين كلماتها المؤثرة، وسافرت بمخيلتي ولمع في عيني بريق ذاكرة بعيدة تمتد إلى سنوات بعيدة مضت، بريق ذاك الشفق الذي كنا ننتظره مساء كل يوم من أيام الأسر يوم كنا نتسابق والأسرى إلى نافذة صغيرة لاقتباس بعض من شعاع الشفق قبل أن تغط الشمس في نومها ويغطي الظلام أرجاء الكون وننام على حلم بالحرية والانعتاق" ص126، نلاحظ أن "شفيق" يركز على الضياء الذي نجده في أكثر من لفظ: "بريق (مكررة)، لاقتباس، شعاع، الشفق، الشمس، وهذا يعكس الأثر الذي تركه الأسير "أسامة" عليه، وكأنه من خلال هذه الألفاظ يتبنى قضية الأسرى، لهذا نجده متعلق بالضياء والحرية، ولم يقتصر أثر "أسامة" على "شفيق" من خلال فكرة الحرية بل طال أيضا المشاعر والأحاسيس بينهما، وهذا نجده عندما استخدم: "رعشة أصابتني وانتابني نوبة من القشعريرة، المؤثرة، سافرت بمخيلتي، حلم بالحرية والانعتاق" فهنا يتجاوز "شفيق تلوي" حالة التعاطف إلى حالة التماهي بينه وبين "أسامة"، فالكلمات التي استخدمها تؤكد أنه أصبح أسيرا كحال صديقه "أسامه". وعلى المستوى العربي نجده في الرد الذي بعثه "سلام مسافر" الصحفي العراقي الذي يعمل في قناة روسيا اليوم: جاء في رده: "أرفع وسام وأثمن جائزة من شيخ شباب أسرى فلسطين البطل أسامة الأشقر وصلت برنامج "قصارى القول" تهنئة بمناسبة بلوغنا الحلقة الألف، فريق البرنامج يعتبر التهنئة من الأسير الصامد في سجون الاحتلال وسام شرف لا تضاهيه كل الجوائز في عمر برنامجنا" ص179، الجميل في هذا الرد أنه يؤكد عروبة "سلام مسافر" وعلى أن فلسطين ما زالت حاضرة في وجدان العربي، رغم عمله في محطة فضائية عالمية. بهذا يكون "أسامة" قد جمع أكثر من جمال، جمال المعرفي من خلال تعريفنا على شخصيات أدبية عربية وعالمية، وعلى أمكان وأشياء نرها عادية لكنه قدمها بصورة الأديب الشاعر، ومن خلال تأكيده فكرة الحرية وتمرده على واقعه كأسير، ومن خلال "منار" التي أكد بأنها القادرة على خلق حياة جديدة، وعلى أن المرأة هي باعثة الحياة فينا وعلى الأرض، وكأنه يعيد مكانة "عشتار" التي تمنح الخصب والجمال على الأرض وللناس، متجاوزا رؤية المجتمع التقليدية للمرأة التي لا يراها أكثر من متاع، وما اللغة الأدبية والصور التي جاءت في الرسائل إلا زيادة في الجمال الذي قدم الرسائل من منشورات دار الرعاة للنشر والتوزيع، رام الله، فلسطين، ودار جسور للنشر والتوزع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.

البوابة 24