البوابة 24

البوابة 24

في ذكرى قيام الكيان.. استمرار الصراع حول نشأته ودوره الوظيفي العدواني

بقلم محمد جبر الريفي

في اليوم 15 مايو أيار عام 48 من القرن الماضي شهد العالم قيام دولة عنصرية في الشرق الأوسط تم فيه إنزال العلم البريطاني علم الدولة المنتدبة على فلسطين وإعلان بن جوريون ما يسمي بوثيقة الاستقلال لدولة" إسرائيل " الذي أراد الغرب من خلالها أولا : التخلص من المشكلة اليهودية التي أرقت القارة الأوروبية وثانيا :اعاقة قيام وحدة قومية لشعوب المنطقة المجانسة حضاريا كما جاء في وثيقة بانرمان .. وهكذابسبب الدعم الغربي الاستعماري وبسبب التخلف والتجزئة في الواقع السياسي العربي انتصرت الحركة الصهيونية في اقامة كيان لليهود في أرض كنعان العربية أي فلسطين تحقيقا لوعد بلفور وزير الخارجية البريطاني في اقامة وطن قومي لليهود وقد استخدمت الحركة لتحقيق هذا الهدف كل المزاعم الخرافية الأسطورية التوراتية والتلمودية لتضليل جماهير اليهود في الشتات وكانت في حاجة لاستخدام العقيدة الدينية كغلاف لجوهر طابعها العلماني حيث طموحات البرجوازية اليهودية في تأسيس دولة على غرار البرجوازيات الأوروبية التي عملت على تحقيق الدولة القومية في بلدانها وقد تميز مسعى الحركة الصهيونية في اقامة الوطن القومي لليهود بالصعود في مقابل تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية في نضالها بسبب بنية قيادتها الطبقية المتمثلة في هيمنة الأحزاب الإقطاعية والبرجوازية التي كانت تميل اكثر للعمل السياسي في مواجهة المخطط الصهيوني وسياسة الانتداب البريطاني تماما كما يحدث الآن حيث المراهنة على أسلوب المفاوضات في تحقيق مشروع ما يسمى بحل الدولتين الذي وصل إلى طريق مسدود .. لقد اختيرت فلسطين من بين عدة أماكن لتحقيق الهدف الصهيوني لارتباطها الروحي بالارث الديني وبذلك ظلت إسرائيل كيانا سياسيا دينيا تعمل على تحقيق الرؤية اليهودية رغم ما تدعيه من تكوينها العلماني والديموقراطي وما يجري الآن في القدس من اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وما يستدعى ذلك من تفعيل خيار المقاومة بابهي اشكاله كما جرى في الأيام الخمسة الماضية أثناء الرد على العدوان على قطاع غزة باستهداف حركة الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الا بداية افول الكيان الصهيوني دولة الابرتهايد العنصري وهكذا رغم ما تحقق في الأعوام 76 هي عمر تأسيس الكيان حسب قرار التقسيم من انتصار سياسي للدولة العبرية لم تتوقعه الحركة الصهيونية نفسها وايضا رغم ما يتم الآن من خطوات تطبيع مع بعض الدول العربية إلا أن هذه الاعترافات وهذه الخطوات التطبيعية لا تلغي الحقيقة الثابته وهي أن إسرائيل دولة في المنطقة لا مستقبل سياسي لها لأسباب ثلاثة اولها :أنها دولة عنصرية وفي تكوينها الديموغرافي ما يغاير النسيج الحضاري لشعوب المنطقة حيث التجانس في كل مقومات الأمة الواحدة من لغة وعقيدة دينية ومصير مشترك وبافتقارها لهذا التجانس مع المحيط العربي والإسلامي ستبقى دولة محكومة بالتناقضات خاصة التناقض القومي والديني ومما يزيد الأزمة البنيوية فيها هي عدم قدرتها على صهر المجتمع الاسرائيلي في هوية وطنية راسخة فظلت بذلك الهوية الإسرائيلية هوية بازغة طارئة مضطربة مشوهة لا ملامح خاصة بها تميزها عن الهويات الوطنية العربية والاقليمية الأخرى عكس الهوية الوطنية الفلسطينية العميقة المتجذرة المتعلقة بالأرض وبذلك فشلت الحركة الصهيونية في خلق قومية موضوعية لليهود في إسرائيل بسبب تعدد أصولهم القومية وتنوع ثقافتهم الحضارية رغم توظيفها للتعاليم التوراتية والتلمودية فيما يسمى بشعار شعب الله المختار وكذلك شعار العودة إلى أرض الميعاد ...اما السبب الثاني هو أن استمرار وجود دولة إسرائيل مرتبط بعامل الضعف العربي الذي يرتكز على التخلف والتجزئة لكن هذا الضعف في الوضع العربي والذي يتجسد في ظاهرة خشية الأنظمة العربية من القدرة العسكرية الإسرائيلية لن يكون حالة ركودية ثابتة فكل شيء في المنطقة قابل لتطبيق عليه قانون التحول والخلل في موازين القوى بين الكيان الصهيوني والأمة العربية ليس ظاهرة ثابتة خارج نطاق الصيرورة والحركة فتعميم الديموقراطية في الوطن العربي وهزيمة ظاهرة الاستبداد السياسي للدول العربية وإقامة الوحدة القومية بين شعوبها كفيلة بفتح آفاق التطور الاقتصادي والاجتماعي والوصول إلى طور التفوق على الكيان الصهيوني مما يسمح بتعديل موازين القوى لصالح الأمة العربية. ..اما السبب الثالث وهو الهام والحاسم في الحكم على مصير دولة الكيان أن إسرائيل ستبقى دولة وظيفية مرتبطة دائما بالمصالح والسياسات الدولية وستبقى تقوم بهذا الدور الوظيفي ولا فرق عندها أن تمارس هذا الدور لصالح الولايات المتحدة زعيمة المعسكر الامبريالي كما هو الآن كما كانت تمارسه قبل ذلك لصالح بريطانيا "العظمي" في الماضي وهي على استعداد أن تمارس هذا الدور مع أي دولة عظمى قادمة تشكل بمفردها القطب الاوحد الذي يقود النظام العالمي حتى لو كانت هذه الدولة العظمى روسيا أو الصين ..المهم أن وجودها مرتبط في كل المراحل الزمنية بهذا الدور الوظيفي العدواني الذي يخدم مصالحها اولا في أن تبقى في المنطقة أي بالمفهوم السياسي استمرار الصراع حول طبيعتها وشرعية وجودها ووظيفتها ...

البوابة 24