البوابة 24

البوابة 24

القتال على الذهب والأبنوس

بقلم:محمد جهاد إسماعيل

رجال ضِخام الأجساد، ملثمو الأنوف والأفواه، يعتمرون القبعات، والنظارات سوداء تغطي عيونهم الزرقاء، يحملون بنادق، يجوسون الكثبان والأدغال بأحذيتهم الثقيلة. هذه أوصاف مقاتلي شركة فاغنر، الذين ينتشرون بالآلاف فوق رقعة اليابسة الأفريقيّة.

تنشط فاغنر في أفريقيا منذ سنوات عدّة، إلّا أنّ وجودها تعاظم بصورة ملحوظة في الشهور الأخيرة. تضطلع الشركة حالياً بمهام عسكرية وأمنية تؤدّيها في السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، وليبيا. ولا تقف عند هذا الحدّ، بل تتداخل اقتصادياً وسياسياً في جملة من الأقطار الأفريقية الأخرى.

فاغنر هي ذراع الروس الممتدة، في دواخل أحشاء القارّة السمراء. فمن خلال هذه الشركة، تسعى موسكو، لبسط نفوذها وزيادة حضورها في أفريقيا. وبلا ريب فإنّ طريقها ليست مفروشة بالورود، إذ يزاحمها الغرب المتمرّس والممسك بتلابيب أفريقيا منذ قرون.

عبر فاغنر، تحاول موسكو الالتفاف على دوائر الحصار الغربي المفروض عليها منذ مدّة. إذ يعوّل الكرملين على جهود الشركة، من أجل النفاذ، إلى بعض الموارد والحلول الاقتصادية، وكذلك استشراف بعض الآفاق السياسية الجديدة.

تخوض الشركة الروسية المثيرة للجدل منافسة حامية الوطيس مع النفوذ الفرنسي في أفريقيا، وكذلك مع النفوذ الأميركيّ والبريطاني والإيطالي. تحاول الشركة أن توهم الأفارقة، بأنّها لم تأتِ إلّا لمساعدتهم، ونصرتهم، وتخليصهم من نير الوصاية، والاستعمار الغربيّ الجديد. لكنّها في حقيقة الأمر تمارس الخداع والتضليل في حقّهم، فهي لا تقلّ استغلالية وانتهازية عن القوى الغربية.

يحاول الإعلام الروسي أن يرسم صورة وردية مثالية، للدور الذي تؤدّيه الشركة في أفريقيا. ليبدو مرتزقة فاغنر وكأنّهم فرسان أو نبلاء، ذهبوا عند خطّ الاستواء، ليكافحوا الإرهاب هناك، ويقطعوا دابر الإمبريالية، وينشروا الفضيلة بين إخوتهم الزنوج، ويصونوا الحريات وحقوق الإنسان!.

هذا محض كذب وتدليس، فشركة المرتزقة الروسية لم تأت لتحرير الأفارقة ونجدتهم، بل جاءت كي تنافس الغرب وتزاحمه، على سرقة موارد ومقدرات القارّة السمراء. ربما لا يعيب فاغنر سعيها المشروع لتعزيز نفوذ بلدها في أفريقيا، إن كان سياسياً، أو ثقافياً، أو تجارياً. لكن يعيبها تورّطها في سرقة موارد أفريقيا، لاسيّما المعادن النفيسة كالذهب والماس.

تضع فاغنر يدها على عدد من مناجم الذهب والماس في أفريقيا، وبشكل دوريّ، تشحن الشركة أطناناً من هذه المعادن الثمينة إلى روسيا. إضافة إلى ذلك، تنهب الشركة كميات من خام اليورانيوم، وكميات كبيرة من الأخشاب الاستوائية فائقة الجودة.

لم يسجل التاريخ يوماً أنّ للروس أو السوفيات مستعمرات بالمعنى الصريح في أفريقيا. لكنّ ثمة سلوكاً كولونياليّاً للروس يمارسونه الآن في أفريقيا عبر فاغنر. ولربما مارس السوفيات ذات السلوك، تجاه أفريقيا، في الحقبة الشيوعية.

وتبقى أفريقيا هي الضحية، ضحية لفاغنر، والغرب، والأوليغارشية الأفريقية الفاسدة. إلى متى سيبقى الطامعون يستبيحون أفريقيا؟ وهي تدفع ثمن ذلك، بفقرها، وجوعها، وكوارثها، وعدم استقرارها، وهجرة أبنائها وموتهم في البحر.

البوابة 24