البوابة 24

البوابة 24

كيف نتصرف في الأوقات الصعبة؟

بقلم محمد قاروط أبو رحمه*

لا يوجد وصفة جاهزة لكيف نتصرف بالأوقات أو الظروف الصعبة، فلكل إنسان تعريفه  وفهمه الخاص لذلك، فما يعتبره البعض وقتا صعبا قد يعتبره البعض الأخر غير صعب. كما أن قدراتنا تتفاوت في التعامل مع هذه الظروف.
كما انه لا توجد طريقة مثالية أو طبيعية للتعامل مع الأوقات الصعبة، فالأمر مرهون بمشاعر الناس وأفكارهم وقدراتهم وخبراتهم.
  فالناس الذين يشاهدون أقاربهم وجيرانهم يستشهدون أمام أعينهم يفهمون الصعوبة بشكل مختلف عن أولئك الذين يسكنون بعيدا عن الحدث ذاته.
هذا التنوع لدى الأفراد في تحديد مفهوم ومدى الأوقات الصعبة، يجب أن يعلمنا  طرق وكيفية  التعامل معها، وينبهنا إلى احترام مشاعر الغير عندما تكون تصرفاتهم في الظروف نفسها مختلفة عن تصرفاتنا.   
في تجربتي الذاتية كنت في عدة مرات داخل الأوقات الصعبة، وأخرى  قريب منها، وثالثة بعيد عنها.
ما أحاول تسليط الضوء عليه  هنا هو تقديم تجربتي الشخصية أملا أن يكون بها قدر من الفائدة في هذه الأوقات الصعبة التي نمر بها جميعا.
يجب أن تعلمنا  الأوقات الصعبة ما يلي :
1- أن نؤمن أننا لسنا على حق دائما: في الاوقات الصعبة تتغلب  المشاعر والعواطف  على تفكيرنا السليم والمنطقي، فعندما يفقد فرد منا -لا سمح الله - عزيز لديه  تجد مشاعره تتقدم على تفكيره، فتجد المحيطين به يطلبون منه غسل وجهه مثلا او ذكر الله او الصلاة على النبي، ويربتون على كتفيه ويضمونه إلى موطن قلبهم. هذه التصرفات البسيطة الفطرية هدفها الرئيس هو تهدئة المشاعر وموازنتها ليتمكن هو من الاستماع إلى المنطق والتفكير السليم.
قد يكون هذا اخطر ما يمر على الإنسان في الأوقات الصعبة الجماعية عندما تتحكم المشاعر الجياشة في التأثير على جموع الناس فتقودهم إلى حيث لا يرغبون.
هذه لحظات علينا أن نؤمن أننا لسنا على حق دائما، وهذا يساعدنا على التفاعل مع أفكار ومقترحات المحيطين بنا.
2- أن نعزز الإيحاء الذاتي الإيجابي: وهذا أهم درس تعلمته، كيف أتحدث مع نفسي؟ وهنا علينا أن نكون لطيفين مع أنفسنا، ونتحدث معها بتفاؤل، ونكون على يقين أن كل أمر صعب سينتهي، وأننا على هذه الأرض المباركة مرابطين في سبيل الله والله لن يخذلنا أبدا.
3- أن نساعد بعضنا على تحسين قدرتنا على اتخاذ القرارات: كل إنسان بحاجة إلى اتخاذ قرارات لتسيير حياته اليومية، وكل قرار مهما كان صغيرا بحاجة إلى معلومات، يتوجب أن نحصل عليها من مصدر موثوق او أفراد لديهم الخبرة والمصداقية. مررت على محطة وقود يوم 8/10 وكانت تعج بالسيارات، فسالت صاحبها  عن السبب؟ قال: الناس فقدت صوابها وتريد تخزين الوقود! ووجدت  من يسكب  بنزينا في جالونات منفصلة. سألته لماذا هذا التصرف؟ قال: احتاط من انقطاعه. وفي ظهر نفس اليوم قابلت القائم بأعمال المحافظ وشرحت له الوضع وقلت له: المال لصاحبه أما الموارد فهي حق الجميع، فلا يحق لصاحب المال الوفير أن يشتري 200 لتر بنزين، وصاحب سيارة يعمل بها ومن دخلها يعيش يشتري  ب 100 شيكل يوميا. كان هذا مثالا على كيفية مساعدة بعضنا على اتخاذ القرارات.
4- أن نمسك بقواعد العقل الباطني حتى لا ينفلت: فهو كيان بدائي، يربط الإحداث التي لا يمكن ربطها معا، فيعتقد أن ما حصل لصاحبه  مثلا سيحصل معه، ويوهم صاحبه بأشياء ليس لها في الواقع وجود. في الأوقات الصعبة نحن بحاجة إلى السيطرة على عقلنا الباطني حتى نبقى بوعينا ونتصرف بحكمة.  
5- أن نعزز الرغبة في العمل: ففي الأوقات الصعبة يصيب البعض  انخفاض  في قوة أو دافعية العمل والحركة، وهذا ناتج عن طبيعة ومدة وظروف انتظار ما يمكن أن يحدث.
إن الحركة بركة فهي  تجعلنا منتجين في الأوقات الصعبة، وتعزز ثقافة العمل وتحد او تمنع التأثير السلبي خلالها وبعدها.
تعزيز قيمة العمل والحركة بالأوقات الصعبة تجعل عقولنا وأجسادنا أكثر قابلية للتصرف الصحيح. كذلك فان متابعة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة يرهق أدمغتنا ويثير مشاعرنا ويستنزف طاقتنا ويشل حركتنا ويمنعنا من العمل، تابعها ولكن لا تكن عبدا لها.
6- أن نحترم المختص ومعرفته: نحن شعب مثقف، وعلينا احترام أصحاب الاختصاص والاستماع وتنفيذ ما يطلبوه منا. فرجل الإطفاء أكثر معرفة منا بإزالة الأنقاض او إطفاء الحرائق, كما أن رجال المرور أكثر خبرة منا بتنظيم السير، والأطباء وغيرهم وهكذا.  نحترم أصحاب الاختصاص ونساعدهم إذا طلبوا منا ذلك بما يطلبوه منا بلا زيادة أو نقصان   .
7- أن نتعاون على المثابرة والاستمرارية: في الأوقات الصعبة تظهر قيمة المثابرة والاستمرارية والصبر وتحمل غضب بعضنا وثورات الحزن وتتعاظم قيمة التعاطف مع بعضنا. 
8- أن نتداول ونتشارك الأفكار الجيدة والواقعية: يظهر في الأوقات الصعبة فكر المقامرة أو  المغامرة، ورواده يريدون الكل ويرفضون الجزء رغم خطورة الظرف والزمان والمكان. هذا الفكر القائم على المغامرة او المقامرة لا ينفع في  الأوقات الصعبة بل يزيدها سوءا. علينا تقبل الأفكار الواقعية وغير المألوفة والتعامل معها بايجابية.  
9- أن نتعاون على تنظيم عقولنا والتخطيط: تنظيم العقل ضرورة مهمة  للتعامل مع الأوقات الصعبة. العقل المشتت لا يستطيع التخطيط وإيجاد حلول دقيقة للحدث؟. وهذا يشمل ابسط الأشياء مثل تخزين الطعام او الماء او كيف نتجنب الأماكن الخطرة. وكيف نتمرن على التصرف مع عائلاتنا وجيراننا في الظروف الطارئة. 
10- أن نتمسك بالإيمان بالنصر: لأننا سننتصر لا محالة, وكل أمر صعب سيمر. ففي اشد الظروف صعوبة كنا على يقين بالنصر، وكنا نتخيل كيف سنحتفل به.
11- أن ننفذ ما يطلب منا: إذا كان الشخص او الجهة صاحب صلاحية او اختصاص او شخص يطلب منك مساعدة تستطيع القيام بها، نفذ فورا وبدون نقاش لان من يطلب منك امرأ لتنفذه فهو يحتاجك فلا تخذله.  
12- أن نقول خيرا او نصمت: في الأوقات الصعبة يكثر اللوم والنقد الجارح وتحميل بعضنا البعض مسؤولية ما حدث. كل الأفكار والمشاعر السلبية تتدفق لتقود تصرفاتنا، هنا تظهر  قيمة الصمت والكلام. ففي الأوقات الصعبة تتكشف معادن الناس الحقيقية .  
13- أن نرسل رأينا لأصحاب الاختصاص: في الأوقات الصعبة وخاصة عند الأفراد غير القريبين جدا من منطقة الصعوبة ستتدفق أفكارهم واجتهاداتهم لمعالجة المخاطر، فيتصدرون  المشهد ويبدؤون بطرح أفكارهم ومشاعرهم أمام الجميع.
وقد يكون في بعضها  وجاهة وفائدة ولكن لا يمكن الاستفادة منها  في الوقت المناسب لأنها لم ترسل او تصل إلى أصحاب الاختصاص، وقد تسبب فوضى وزعزعة بالثقة بين أصحاب الاختصاص والناس.
14- أن نفهم أن الخطأ يمكن أن يقع من أي شخص: هذا الفهم يساعدنا على المساهمة بمعالجته والتخفيف من أثاره. لقد مر علينا في تجربتنا الطويلة أفراد يبذلون كل وقتهم وجهدهم في البحث عن الأخطاء دون أن يجدوا وقتا للتفكير في حلها. أن نفهم أن الأخطاء قد تقع ونروض أنفسنا على ذلك يجعلنا نتصرف بطريقة حكيمة.
15- أن نتعلم من بعضنا: أفضل الدروس هي التي نتعلمها من الأوقات الصعبة، فعلينا سرعة تعميم ما تعلمناه لغيرنا حتى لا يكرروا الأخطاء التي ارتكبتاها.
16- أن نتصدى للإشاعات: الإشاعات كانت سبب هجرة أهلنا عام 48 وعام 67. الإشاعة هي كل ما يصلك من مصدر غير ذو مصداقية. إذا وصلك ما تشك به أرسله إلى أصحاب الاختصاص ولا تتداوله.
الحركة الصهيونية والإعلام الغربي الخبيث يطلقون كل ساعة ملايين الإشاعات. في الأوقات الصعبة تأكد من صحة ما يصلك من معلومات قبل نقلها لغيرك. وهذا ينطبق على الدعاية المعادية.
17- أن نؤمن بأهمية سعة الصدر: نستوعب الغاضب والخائف وناخذهم بحلم وروية.
18- أن نتشارك ما نملك: هذه أخلاق شعبنا نتشارك في الأفراح والأتراح، نتشارك في الموارد ، ونتشارك  في المعلومات. كلنا في قارب واحد، وسننتصر.
19- أن نحافظ على وحدتنا: قوتنا تكمن في المحافظة عليها، وتزداد أهمية الوحدة في الأوقات الصعبة. فلا نسمح لأي كان ببث روح الفرقة بيننا.
20- أن نتمهل إذا طلب منا الظهور في وسائل الإعلام: الإعلام صنعة وليس كل واحد فينا لديه خبرة بالظهور على منابره المختلفة. بعض وسائل الإعلام غير مهنية او غير صديقه. في الأوقات الصعبة علينا التعامل مع وسائل الإعلام الوطنية حتى لا نضر بالمصلحة الوطنية، ونترك للأخصائيين الظهور على وسائل الإعلام الأخرى.
هذا اجتهاد مني صنفت تفاصيله استنادا إلى تجربتي الممتدة، ومما تعلمته من التصرف في الأوقات الصعبة. أنا وجيلي دفعنا أثمانا باهظة من وقتنا وعرقنا ودمنا حتى تعلمنا كيف نتصرف  في الأوقات الصعبة..  
وثقتها على أمل أن تكون مفيدة وتوفر عليكم عناء التجربة.  


عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح
عضو مجلس إدارة أكاديمية فتح الفكرية
مراجعة وتحرير: د. عدنان ملحم
فلسطين 12/10/2023م

البوابة 24